vendredi 29 janvier 2016

حشرجة حلم



حشرجة حلم
عصفورة تغمرها البراءة، سعيدة في طيرانها منذ تعلمت التحليق وخلق الأحلام، تنسج بياضها البسيط في فضاء الكون، تلاعب أشعة الشمس والغيوم الماكرة في انتظار ولادة حلم.. رقيقة الحس، حسنة الخلق، فاتنة الوجه، أعطت كل وقتها لدراستها وتحقيق حلم شخصية طبيبة العيون، كالراهبة التي كرست حياتها لدينها، عهدت على نفسها أن تجعل العيون المريضة تهزم الظلام وتلمع ببياض الحياة، وفي سنة التخرج ولنيل شهادة الدكتورة العالقة في عمقها لابد لها من اجتياز اختبار أولى الاحتكاك مع مرضى العيون، وهي واعدة في تحديها..
مر فحص اليوم الأول بنجاح وارتياح نفسي بدون تسجيل أي خطإ أو اشتكاء، قفزت الفرحة إلى عيني الطبيبة الحالمة ولم تسعفها الدنيا وما فيها، لقد حققت التحدي في أول اختبار تجريبي، رضا المرضى والطبيب الرئيسي المشرف عليها، فتلقتها الأحلام، ورمت بها عبر الزمن الآتي، وملأت السماء دون توقف، تأملت نفسها طبيبة عيون مميزة ومشهورة، وطاردها بطل أحلامها، يحاول إثارتها وجذبها إليه، ولأنها أنثى رقيقة الحس وفاتنة لا تخضع بسهولة، فلم يجد بد من اختطافها على جواده الأبيض، واستسلمت لجنون العشق إلى أن لمست روحها النجوم في ضوء القمر..
في اليوم التالي كانت الطبيبة الحسناء في اختبار آخر في عنبر آخر، واخترق مسامعها صوت مريض، في الأربعينات، عدواني المظهر، يرفض أن يفحصه غير الطبيبة الجميلة، وعربد بهمجية عدوانية لكي يلبى طلبه، فاختار الطبيب الرئيسي الحل الجبان، مفتديا الطبيبة لينقذ نفسه، وحين بادرت الطبيبة لفحص عيني المريض لمعت ذئبيته، وتذكرت وجهه، وأخبرت الطبيب الرئيسي أن الذئب المتمارض سبق أن فحصته أمس البارحة، لكن الشرير رفض أن يفحص عينيه غيرها، وأدرك جبن المسؤول وخوف الطبيبة، واعتراه جوع أعمى ليلتهمها بالقوة، وانكشف خبث نيته، وسرت بأوصال الطبيبة المرهفة الحس رجفة خفيفة رهيبة، وبدى لها الموت كالحياة حقيقة لا مفر منها.. أتستجيب بعفوية للغدر؟ غدر الطبيب الرئيسي وغدر القدر؟ ما المعمول في حرب غير متكافئة بين ملاك يمتحنه الله وشيطان يدعمه ابليس؟ ونقمة على رفضها له أتى في اليوم التالي لينتقم منها أمام باب المستشفى، حاملا معه مادة حارقة لتشويه وجهها، وقام رجل أمن بسيط بواجبه ومنعه من ولوج المستشفى، وتدخلت الشرطة وأوقفت المعتوه، شخص غير سوي، له سوابق قضائية، وملفه مليء بالجرائم والسجن، ذكره وكيل جلالة الملك بتاريخه الأسود العفن، وتنكر للمنسوب إليه فيما يتعلق اعتدائه على الطبيبة، واعترف برغبة جامحة في امتلاكها، لكنها تمقته وترفضه، فمنعه وكيل جلالة الملك من الاقتراب منها، ولم يحترم الهمجي الشرير القرار، وواصل تخويفها وتهديدها، وبتنسيق مع الشرطة القضائية وقع في كمين مبيت، وحكم عليه بسنة سجنا، استغرب الكل للحكم الطفيف، وسيطر التشتت واللامعنى على عقل الطبيبة الحسناء المرهفة الحس، وفرت منها الأحلام وهي امرأة من أحلام، لا تستطيع الحياة دونها، كان عليها أن تزور طبيب عيون قبل أن تختار أن تكون طبية عيون، فتملكها حذر غير طبيعي، وانهارت الأحلام، وشلت الروح، ودفنت وجهها في الخوف، لم تعد تستطيع الطيران وهي التي كانت تعيش دائما في السماء، فانغلقت على نفسها، وتاهت في الرعب تترقب لحظة تسريح الشر المعتوه ، لقاء الفطام الفاصل بين الحلم والواقع .. م. رياضي
البيضاء 15/10/2015

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

حيرة وجود..

  حيرة وجود .. سمة حورية أسطورية، وعناد نخوة جاهلية، وكبرياء أنثى إنسان، بملامح طفلة غامضة دائمة الحزن والابتسامة، صادفها في حيرة وجود، تا...