vendredi 29 janvier 2016

قلب فقد عذريته..


..قلب فقد عذريته
شاردة في ظلمة غرفتها تسامر نفسها، وجمرة سيجارتها في حركة التهاب شديد من حين لآخر، الدخان الرمادي يزدحم في فضاء الغرفة، يكشف تدافع تموجاته في فضاء السواد ضوء مصباح الشارع عبر النافذة.. استعصى عليها النوم، البال مهموم، وعليها أن تتصرف وتنهي الأمر.. فكرت، وقررت، واتصلت به بعد منتصف الليل، بل بداية صباح اليوم الموالي، وبالضبط عند الثانية ونصف صباحا، ليس من عادتها أن تخفي رقم هاتفها، هذه المرة فعلت عن قصد..
اشتدت شرارة الجمرة الملتهبة وسط الظلمة والدخان، وأتاها نفسه، هذه المرة يفتقد إلى حرارته المعهودة قبل أن يقطفها وردة ويمتص رحيقها، ويختفي خلف وحشية النسيان قبل أشهر، صوت خافت متقطع يخترق الظلمة والدخان:"أعلم أنك أنت.. الزمي الصمت.. لا تنطقي بكلمة.. سأتي حالا إليك لتعلمي أني لم أنساك.. تستوطنين روحي وفكري.. أرجوك لا تتكلمي.. سآتي إليك حالا.. دقائق مسافة الوصول إلى البيت.. أريد التحدث إليك.. أرجوك حبيبتي.."
وقبل انتهاء دقائق وصوله كان أمام بيتها، طلت من خلف ستارة نافذة شقتها، ولمحته واقفا يتطلع إلى النافذة تحت ضوء مصباح الشارع.. ماذا لديه أن يقول ؟ وماذا بقي من قلب أفقده عذريته، وتوقف زمنه في ذاكرة الليل والدخان؟
ودون تردد عانقت عزيمتها واخترقت الظلام مسرعة إليه، وبهدوء فتحت الباب، تأملته في صمته الباكي السخيف، ثم أشعلت سيجارة أخرى، وامتصت بحيوية غجرية فاتنة نفسا عميقا وهي تديم النظر إليه.. كانت واثقة من جرحها، من نارها، من أنوثتها المجروحة، وكان واثقا من غدره وضعف رجولته أمامها.. اخترقته برودة نظراتها، أربكته وأفقدت لسانه الكلام، ونسي ما أتى من أجله، أو يدري لكن ما جدوى كلام خائن لا مبدأ ولا وطن له؟..ماذا ينتظر من أنثى سكنتها النار بسببه؟ ومضى يبحث عن تبريرات لطعنته، وتوسلها أن تسامح طيشه، لم تتمالك نفسها، وكان العتاب أشد من النار، ولم يستطع الدفاع عن نفسه الماكرة..
منذ خداعه واختفائه توصلت بمكالمات مجهولة، مرات عديدة وفي أوقات مختلفة ليل نهار.. كانت تعلم أنه هو المتصل، تأخذ المكالمة، ولا يرد على سؤالها:" من الهاتف؟"، تشعر بنفسه، لكن لا يستطيع الكلام، منحته الوفاء والحلم والأمل وانتعاشة الروح والذات، ومنحها الغدر والتخلي، وعانق غيرها.. وبعد حين عاد يلاحق خطواتها محاولا اقناعها بحبه والذكريات التي لا تنسى.. وهي تكره النسيان، أكيد لم تنساه، ولا يمكن أن تنسى الثعبان الذي لدغها، لم تكن تعلم أنه ثعبان، ولم تؤلمها لدغته لأنها هي من منحته متعة اللدغ، لكن سم الغدر كان صعب الاحتمال على أنثى تؤمن بالوفاء، بالإحساس، بالحب؛ منحته كل شيء، الروح والفكر والجسد.. ولأنه بليد وصغير النفس كان دائما يختفي وراء رقم مجهول، يزعجها في الذاكرة والواقع المريض، وقررت أن تتحداه، أغمدت الخنجر عميقا في صدرها لتقتلعه من جذور قلب أفقده الحس، ولذلك اتصلت به عند الثانية ونصف صباحا..
كان عتابها أشد حرقة من الصفعة التي طبعتها على خذه، وهي تتطلع إليه بحقارة مخزية ألغت رؤياه، أقفلت الباب بهدوء، وصعدت إلى شقتها، تمتص سيجارتها بشهوة امرأة بلغت نشوتها، ثم قذفت بقيتها عبر النافذة، وارتمت في حضن سريرها لترتاح، لكن لم يغمض لها جفن، فأشعلت سيجارة لتتسامر معها حتى بزوغ اليوم الجديد.. م. رياضي
البيضاء: 19/11/2015

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

حيرة وجود..

  حيرة وجود .. سمة حورية أسطورية، وعناد نخوة جاهلية، وكبرياء أنثى إنسان، بملامح طفلة غامضة دائمة الحزن والابتسامة، صادفها في حيرة وجود، تا...