lundi 28 octobre 2013

لقاء خاص: المخرج المغربي الألماني محمد نبيل Mohamed Nabil

إهداء: تحية إلى كل مخرج إنسان، يحترم وطنيته وإنسانيته، داخل الوطن وخارجه، ومن أجل أهداف نبيلة، مبدع فنان في خلق جمالية اللغة البصرية ورمزية الكلمة الصادقة الهادفة !

قضايا ومواقف:
محمد نبيل وإنسانية الإنسان.
الجواهر الحزينة والمواطنة المرفوضة!



المخرج المغربي الألماني محمد نبيل في مهمة فنية بالمغرب، تدوم عشرون يوما، ما بين طنجة، والبيضاء، والقنيطرة، وفاس ومكناس، يصرخ بجمالية الصورة وفن ألحكي الدرامي لإثارة آلام الجواهر الحزينة. 
فيلم وثائقي، عرف اهتماما في الملتقيات الأوروبية للأفلام الوثائقية، في هولندا، وإيطاليا، وألمانيا، وسيشارك، خلال شهر نونبر  المقبل، في المهرجان السينمائي الدولي لنساء العالم، المنظم في مدينة "توبغن"، في جنوب ألمانيا، ناحية شتوتغارت، وموضوع النقاش سيتمحور حول وضعية المرأة في شمال أفريقيا. والفيلم صرخة مدوية للمسكوت عنه في واقع المجتمع المغربي،  إنها ظاهرة "الأمهات العازبات"، التي بات واقعها يتضاعف يوما بعد يوم،  حيث أكدت التقارير، قامت بها  بعض الهيئات المهتمة بالقضية، أرقاما  صادمة،  تكشف فداحة وخطورة الوضع المرير المتزايد يوميا في المدينة وفي القرية.. 
في تناغم فني جميل متكامل وهادف، بين واقعية السرد الفيلمي وجمالية لغة بصرية معبرة،  يحكي الفيلم تجربتين أليمتين لأمين عازبتين، رفضتا التخلي، في ظروف اجتماعية ونفسية وصحية قاهرة، عن أمومة مضطهدة. إبداع في ألحكي ولغة بصرية حزينة تستفز أحاسيس المتلقي بحقيقة أمومة مرة، ولدت في غفلة زمن، أو في لحظة ضعف، أو في فخ عدواني، والمجتمع المغربي، القانوني والديني، يرفض الاعتراف بها، بل يؤنبها، ويحملها مسؤولية الفضيحة وعار الأمومة المحرمة، ويتجاوز الفيلم السؤال الساذج: من المسؤول؟ إلى السؤال المسؤول: ما المعمول؟  خصوصا وأنها باتت، شئنا أم أبينا، ظاهرة واقعية خطيرة في تزايد مستمر، وعواقبها لن تكون إلا سلبية على المجتمع المغربي، نتيجة حقد وكراهية المواطن المنبوذ والوطنية المرفوضة.
دون تدخل مباشر للمخرج، الفيلم يترك نادية ونزهة، أمتان عازبتان، تكشفان بتلقائية مؤلمة )نزهة(، وثورة المظلوم المغبون )نادية( المعاناة الأليمة، التي عاشت كل واحدة، بآلامها وظروفها الخاصة، في منطقتين مختلفتين، يضمهما وطن واحد، عربي، إسلامي، إنساني، يتجسد في أرض، الأم الأب، المملكة المغربية.
فنادية، شابة طردت من بيت العائلة بسبب علاقة غرامية مع شاب، سحرها بعينيه، وآمنت بإحساسه، ومنحته كيانها، لكن عند الحمل، تنكر لها، وتخلى عنها، وتبرأت منها العائلة والأسرة، لتجد نفسها وحيدة، فريسة مجتمع لا يرحم، وكان المصير تعاطي المخدرات، والكحول، وممارسة الدعارة، لتعيش الأمومة الصعبة، وأملها الوحيد، حلم غير مستحيل،  السترة مع زوج أمين، أو عمل شريف..
ونزهة، شابة عانت ويلات عنف أب غير مسؤول، تزوج بعد وفاة والدتها، وغررت بها زوجة الأب في علاقة غرامية كاذبة مع شاب من القرية،  على قناعة أن تنتهي بالزواج ، لكن الشاب، امتص ريقها، وتخلى عنها وهي حامل، وكان مصير نزهة  الهروب لتعيش مأساتها وحيدة في مدينة لا ترحم..
اغتنمنا فرصة تواجد المخرج محمد نبيل بالدار البيضاء، ليكون لنا معه الحوار التالي:


-        رياضي : قبل أخذنا إلى عالم "جواهر الحزن"،  من يكون محمد نبيل؟ 
-        محمد نبيل: محمد نبيل، إنسان يحب الفن والجمال، كأبعاد أساسية لكل خلق وإبداع؛ رحالة، ومهاجر، ومغترب في أكثر من بلد، من كندا إلى روسيا إلى ألمانيا، أتى من عالم الفلسفة والعلوم الاجتماعية، ودخل عالم الصورة السينمائية، كعودة إلى حلم الطفولة، حلم العاشق الذي يريد أن يكتب الأفكار بالصور.


-        رياضي :  بما أنك تعيش في ألمانيا، في قلب أوربا، ومتتبع للسينما الألمانية، والأوروبية والعالمية، ماذا تقول عن المغربية؟ 
-        محمد نبيل: هناك أفلام مغربية ببصمات وتجارب فردية لمخرجين مغاربة، داخل وخارج المغرب، لكن الطريق لا تزال طويلة من أجل تأسيس صناعة سينمائية. فالأفلام المغربية في بدايتها، وهي تحاول التعبير عن الفضاء المغربي بالصورة، وهذا رهان صعب. فشروط الخلق السينمائي في المغرب ما زالت معطوبة، وتواجهها عوائق كثيرة. شتان بين الفن السابع، بالفعل والقوة، وإلصاق الصور. السينما تحتاج لخلفيات معرفية وفكرية وأدوات عديدة من أجل الخلق والإبداع. السينما ليست فقط إمكانات مالية، بل هي تخيل، وتعبير، ومساهمة في بناء صور إنسانية. السينما في المغرب ما زالت في بداية الطريق.

-        رياضي: أراك ناقدا فايسبوكيا عنيفا في نقدك للتلفزيون المغربي،  هل هو بدافع الغيرة أو الغبن؟ غبن متلقي مغربي غير عادي، عاش تجربة التلفزيون الوحيد، ثم تجربة القناة الثانية منذ بداياتها الزاهية، والآن تجربة القطب العمومي،  أم نابع من غيرة المقارنة مع التلفزيون الألماني؟ أم  ماذا؟
-        محمد نبيل: عندما درست الصحافة في الجامعات الكندية، ودرست معها التلفزيون، فهمت أن الشاشة هي نظرية علمية، لها ضوابط عدة مهنيا وفنيا وجماليا. التلفزيون المغربي مع الأسف يعيش واقعا فيه من الضياع ما يكفي. هويته غير واضحة، وأبعاده المهنية والتقنية فيها خلط كبير، فلا نفهم أين هو التلفزيون العمومي والخاص والمتخصص وغيره..؟  التلفزيون المغربي في حاجة لتغييرات عميقة تمس أسسه. في بلد كالمغرب، لابد من إعادة النظر في التصورات، وإسناد الأمور إلى أهل التخصص، حتى تكون الممارسة التلفزيونية واعية وذات معنى، والنقد الذي أمارسه كأي متتبع ومهتم ومن أهل المجال المهني، لأن النقد هو تطوير ودعم للممارسة، كما يقع في البلدان العريقة، والتلفزيون المغربي هو انعكاس لما يقع في المجتمع المغربي، وبؤسه صورة عن بؤس المجتمع. والتلفزيون، كما مارسته في قنوات عربية دولية، هو رافعة لبناء العقل والتنمية وبناء المجتمع الديمقراطي الحديث، وليس التسطيح ونشر العنف والجريمة، وبناء الغباء المجتمعي. التلفزيون هو مجال للتربية على الذوق الفني والجمالي والصحفي كذلك.

-        رياضي: الرداءة وغياب الإبداع: كيف تؤاخذ التلفزيون المغربي على ذلك ؟   على أية مقارنة؟  أين الخلل؟  ومن المسؤول عن التردي الذي تكلمت عنه مرارا وبألم مرير؟ صاحب القرار؟ الإعلامي؟ الجمهور؟ أم غياب الناقد الفاعل؟  أم ماذا؟
-        محمد نبيل: كل هذه العوامل متشابكة ومترابطة، وتقدم في ا لنهاية نتيجة واحدة: تلفزيون مغربي لا يزال يبحث عن ذاته في أفق إيجاد هوية واضحة. ولتحقيق ذلك، لابد من فتح نقاش عمومي، وتأسيس فضاءات للجدل عن التلفزيون ودمقرطة الممارسة كلها.

-        رياضي: ما هو الفيلم الوثائقي؟
-        محمد نبيل: الفيلم الوثائقي، هو محاولة إبداعية لتوثيق أشكال مجتمعية بلغة سينمائية. وفي رأيي المتواضع، الفيلم التسجيلي يحتضن بعدين أساسين: المتخيل والواقعي. السينما التسجيلية هي فضاء للجمع بين الخيال والواقع. أراهن دوما في أفلامي على التقابل والانسجام والتناغم بين لغة الخلق ولغة الواقع. الواقع يظل نسبيا، فنحن كلنا نصنعه بشكل يومي، وليس هو معطى مباشر. السينما تعيد إنتاج وصناعة هذا الواقع بلغة سينمائية تهدف إلى بناء الحس الفني والجمالي، والمساهمة في تشكيل وتغيير العالم.

-        رياضي: العمل الوثائقي بصفة عامة، أراه ضروريا في الشبكة البرامجية التلفزيونية، لما له من دور فعال في التعريف، والتحسيس والتنمية الفكرية، ما مكانته في شبكة برامج  التلفزيون العمومي الألماني مثلا؟ هل له إقبال المشاهدة؟ هل له حضور في استرتاتيجية  الإنتاج التلفزيوني والسينمائي؟  هل هناك دعم على مستوى المركز السينمائي الألماني أو التلفزيونيات الألمانية؟ كلمنا عن التجربة الألمانية.
-        محمد نبيل: التجربة الألمانية سينمائيا رائدة ومتميزة، وهذا ليس بغريب في بلد متطور على جميع المستويات. السينما والإبداع ينمو في بلد عريق ومتطور. السينما التسجيلية لها مكانة مهمة في شبكة القنوات الألمانية، لأن صناع القرار التلفزيوني يعرفون أن السينما هي مجال يساهم في بناء العقل، وتكريس المواطنة، والرفع من الإنتاجية بمعناها الرمزي والفلسفي، وليس الاقتصادي فقط. الفن والثقافة في ألمانيا مجال مقدس،  أي أن المواطن الألماني لا يمكنه العيش والحضور والتواجد في المجتمع دون غذائه الروحي، وأعني به الثقافة بمعناها الأنثروبولوجي. لا يجب المقارنة بين بلاد الفلاسفة والفن والموسيقى، وبلاد ما زالت تئن تحت وطأة الأمية الأبجدية، وتخلف التربية والتعليم، وتراجع الثقافة بشكل يومي. لابد من التفكير، في المغرب، في إعادة الاعتبار إلى الثقافة، فهي مفتاح الخروج من النفق، لابد من مشروع ثقافي بديل، يتأسس على منطق التخصص والكفاءة، وليس على شيء أخر، قبل فوات الأوان.

                                

-        رياضي: ما دمنا نتحدث عن الدعم، هناك من مخرجي مغاربة الداخل، يرفضون دعم مخرجي مغاربة الخارجي، بسبب هشاشة وطنيتهم؟ ما رأيك في ذلك؟
-        محمد نبيل: كل مغربي في الداخل أو الخارج له الحق في الدعم، فكيف لمخرجي الخارج المساهمة في بناء الصورة السينمائية المغربية؟ لابد من تصور جديد، يهدف إلى مقاربة مختلفة جديدة، لمساهمة مخرجي الخارج في التنمية والخلق السينمائي، فالوطنية في بلدان التقدم لا تكون بالبلاغة والضجيج، بل تكون بالعمل في صمت. اللغة تقتل الحب. الحب ينتعش في صمت،  وخدمة الوطن تتم بصدق عندما يكون التعبير عنها رمزيا، فالمصداقية والصدق لا نحتاج إلى الكلام عنها بإطناب. السينمائي يعبر بالصور، و يقول كل شيء عند إنتاجه لعمل للجمهور، وبحث المشاهد والمتلقي عن فهم للنص السينمائي هو ارتقاء وتهذيب للأذواق، وبالتالي بناء للمواطن المتحضر.



-        رياضي: سبق لك أن نشرت، في 2007، مقالا الكترونيا في إطار الحوار المتمدن، تحت عنوان : "يقع بالعالم العربي الإسلامي: أمهات عازبات وأطفال بدون هوية."، وبعد 5 سنوات يأتي الفيلم الوثائقي " جواهر الحزن"، هل هي الصدفة أم الإيمان بالقضية، قضية الأمهات العازبات، أمومة الحمل بدون زواج ؟
-        محمد نبيل: المادة الصحفية حولتها بعد أكثر من 5 سنوات إلى مادة سينمائية، بمعالجة مغايرة طبعا. السينما ليست هي الصحافة. شتان بين المجالين. الإيمان بأن السؤال النسائي سؤال آني وضروري لكل تغيير وبناء للعقل، واهتمامي بالأمهات العازيات هو اهتمام بقضايا الإنسان والنساء، وفيلم "جواهر الحزن"، هو محاولة لإثارة السؤال حول قضايا شائكة وصعبة تمس وضعية المرأة في المغرب.



-        رياضي: حضرت شخصيا عرض "جواهر الحزن" في سينما الريف بمدينة الدار البيضاء، كما حضره عدد من الصحفيين، والفعاليات الاجتماعية والثقافية والنسائية والحقوقية، والنشطاء الجمعويين والمناضلين على رأسهم السيدة عائشة الشنا، رئيسة جمعية "التضامن النسوي"، والسيدة حفيظة الباز، مديرة الجمعية، وما أثار حفيظتي  ما جاء في تدخل سيدة الأمهات العازبات، أم الأمومة المضطهدة، الإنسانة القديرة عائشة الشنا، وهي تصرح أمام الجمع، وبألم مرير،  عما صدر من تصريح لوزير العدل، بعد استفساره  عن الانتظار المغلول لدعم الجمعية، كحق ممنوح لسائر الجمعيات المغربية، وكان الرد صادما، وبصريح العبارة ، كما جاء على لسان الأم الحقوقية المناضلة عائشة الشنا، ما مفاده: نحن لا ندعم "ولاد لحرام"، إن كانت هذه قناعة وزير حكومة، وأنت تؤمن بالقضية، وبالمرأة بصفة عامة، ألا ترى أن  "جواهر الحزن"، صرخة ضائعة  في الفضاء؟ أم هناك  أمل في أفق مغرب المبادرات الوطنية للتنمية البشرية ؟
-        محمد نبيل: أرفض كل تمييز ضد فئة اجتماعية ما، كما أرفض لغة الوصم والقدح. أدافع عن لغة الحب ونشر ثقافة التسامح والانفتاح عل الغير. وضعية الأمهات العازيات تحتاج إلى قرارات جريئة سياسيا، ونقاشات وجدالات مجتمعية. لابد من وقف هذا النزيف ضد فئة من المجتمع يمكن لها أن تشارك في تنمية البلاد دون تهميشها أو نبدها. خسارات المجتمع المغربي بسبب غياب وتغييب المرأة لا تعد ولا تحصى، بل لأن وضعية المرأة غير مطمئنة، فان مستقبل المغرب يظل مبهما. لا يمكن إنجاح أية مبادرة أو مشروع مجتمعي في غياب وتغييب النساء.  ثقافة الوصم والقدح والتمييز ستهدد البلاد وتغرقه في التخلف والتراجع. فيلم "جواهر الحزن"، هو إثارة السؤال حول جواهر بلادنا الحزينة، وأعنى النساء وأطفالهن. الفيلم، هو محاولة لبناء عالم جميل يطبعه الحب والود والاحترام بين الرجال والنساء، وعالم يكون سنده الأساسي هو لغة المواطنة.

-        رياضي: ماذا عن "جواهر الحزن" بعيون جمهور الدار البيضاء، وطنجة، والقنيطرة، وفاس، ومكناس؟ 
-        محمد نبيل: عروض فيلم "جواهر الحزن"، في مدن الدار البيضاء، القنيطرة، فاس، مكناس، وطنجة،  أظهرت شيئا أساسيا وهو اهتمام الجمهور بالموضوع النسائي، وعشقه للسينما والصورة؛ التفاعل الذي حدث بيني وبين الجمهور المغربي كان مفيدا، و يعد في نظري مقدمة لمشروع سينمائي جديد،  فالنقد هو تطوير للعمل السينمائي فنيا وجماليا؛ وبالمناسبة أشكر كل من تابع عروض فيلمي، وشاهد أيضا الشريط، كما أشكر زميلاتي وزملائي  الصحافيين على  متابعاتهم الصحفية  التي تساهم، بشكل أو  بآخر، في تغيير هذا العالم وإعادة الاعتبار للمرأة المغربية.

-        رياضي: ماذا عن أعمالك المستقبلية؟ لا تقل لي أنه أيضا عن المرأة..  
-     محمد نبيل: نعم، أشتغل على مشروع نسائي جديد، ويتعلق الأمر بنساء مغربيات خلف القضبان. تجربة السجن بصيغة المؤنث. واقع وأفاق السجن المغربي في شكله الأنثوي. هذا المشروع، خلافا لفيلم "جواهر الحزن"، ستشارك فيه الكثير من المؤسسات الألمانية والمغربية، ونحاول إشراك أكبر عدد ممن لهم غيرة على القضية وعلى نسائنا المغربيات.

رياضي: لك حرية الكلمة.. 
محمد نبيل: أراهن على الخلق الفني والجمالي، السينما بالفعل والقوة، للمساهمة في بناء ذوق ومجتمع مغريي إنساني، وأتمنى أن أجد أشخاصا ومؤسسات لهم نفس الهم  للمشاركة في تحقيق الحلم، و إزالة الغبار.

رياضي: تحياتي
                      حاوره محمد رياضي
                       البيضاء،  أكتوبر 2013


mercredi 31 juillet 2013

Storm's heart ! قلب العاصفة

إهداء: إلى شهداء الكلمة والتاريخ والوطن،  إلى كل عربي إنسان يحترم الشيطان المتمرد في داخله من أجل وطنيته وإنسانيته..  تحياتي
نص:
قلب العاصفة ! Storm's heart

دون إرادة منه أتى إلى هذا العالم الموبوء الفاني، مغمض العينين، يصرخ بصوت عال، في الوجوه المرحبة بقدومه، بالابتسامات والزغاريد والرقصات وأدعية الصلوات،كأنه يأبى المجيء، أو لا يأمن ترحابهم، أو يصر على شروط أسمى للبقاء، أو يرفض قطعا الانتماء..

رغم تمرده الصارخ صنفوه ملاكا، ومنحوه لقب عبد الله، نسبة إلى البشر، عباد الله؛ منذ الصيحات الأولى كان عبد الله يسترعي الانتباه، فصراخه ملغوم باستفسارات صامتة، تفجر حيرة الترقب والحذر من سكون وصخب المكان والتاريخ والإنسان؛ والطبيعة،  رغم غدر بني البشر، لم تنسها هواجسها أن تزرع فيه الحدس النزيه، وتلقنه فنون حرب الغاب، ليحمي ظله من فخاخ الكلام..

كانت السذاجة وعزة النفس، التي امتصها من ثدي الطبيعة، قد صنعت مفعولها في شرايينه، ولا شيء يهدئ قلبه، المسكون بعاصفة الإنسان والوطن؛ ومضى يمتهن العصيان، فامتنع عن الرحيل إلى وراء البحر لبناء ما دمرته هلوسة العجوز الشمطاء، انتابه إحساس بأنها ستتنكر لتضحياته وإخلاصه، وتقذف به جسدا هامدا بعد أن تمتص دماءه الأصيلة، فضل أن ترتوي بها مرضعته، التي ضاقت الويلات من أجل بقائه، وأحس المرارة تقطر من عيون الغزاة والخونة، ولم يهتم لأمرهم، وحلق في مدى حدسه المزعج..

 مرت سنوات خانقة بالقهر والتنكيل،كان يمارس في الأعماق رفضا لما يحدث أمامه، شيء يؤزمه في كرامته، ويقلق حياته، فاختلقوا شكوكا، في محاولات عاجزة،  لإخماد عاصفته، واستشاطت أنفاسه الغاضبة، واستنشق عمق السماء والأرض والوطن، وأبى المقايضة مع الذين كانوا يهابون أشياء لا تبعث على الخوف، وتبنوا الخطيئة، وتواطئوا مع العاهرة العجوز ضده، وتواروا إلى الخلف، وانتصبوا في أبراج خيالية، وهيجوا أدران القلوب، وأفرزوا ذئابا تحرص على خيانتهم، مما جعل اللصوصية ممارسة عادية أمام أعينهم، واقتحم الألم النازف دواخل عبد الله، والابتسامة الهادئة لا تفارق غرة وجهه، تغازل إرهاب الواقع، وتهمس للأعين الناظرة ما لا يجرأ أن يقوله اللسان، وطال زمن العيش على سكينة التوتر الصعب، ابتلع أحلى أعوام عمر عبد الله.

وبعد سنوات شنق الأنفاس، واعتقال الأحلام، وهدر عزة النفس،  سنوات طواها القهر والتاريخ الصامت، نبهه حدسه أن شيئا سيحدث قريبا، ويشعل قنديلا في واضحة النهار، ويحرق الخيانة، ويقتلع حماتها؛  إنها مسألة وقت، فالتاريخ لا يرحم..

في ليل العاصفة اشتد  القلق المضطرب في أعماقه،  وتنهدت الأرض عميقا، واهتاج غضبها، وتأوهت الريح الشاحبة، وتجهمت ملامح السماء، وزمجرت عاصفة سوداء، وهب إعصار عنيف، أنذر أمطارا طوفانية مجنونة، انسابت سيولا وفيضانات داهية، ركضت كاسحة الواقع والأحلام، وبعثرت جثث المقابر، وأغرقت أجساد موتى أحياء البشر، ولأن قلب عبد الله ينبض بالوطن، رسم لنفسه مصيرا لكي لا يموت مجانا، فحدسه لا يخطئ، وإخوته في الرضاع لن يخذلوه، لقد تعاهدت أرواحهم في السماء على عتق كرامتهم كلما اعتصرها بغض اللصوص والكلاب المسعورة بالإثم والخطيئة..

وقف بنفور في وجه الاكتئاب وموت الإحساس، مما أفقد الخونة صوابهم، فصنعوا أقنعة أخرى، وهاجت أشواقهم لموت غريزي،  لانتزاع شيطانه الملاك من داخله، فمارسوا عليه التقتيل أكثر من مرة؛ كان يُغتال لينبعث في كل مرة من أشلائه وطنا، وأرض العرب بلاده، والإنسانية حياته..

ونصب نفسه فزاعة لذئاب الوطن ومن يغتالهم الخوف، وتوغل من جديد في أحضان الطبيعة الأم،  يغمره التاريخ والروح الطليقة، يبحث عن إخوة الرضاع، يبحثون عن بعضهم البعض عبر المصايد المبيتة في الأدغال، والثلوج، والصحاري، والقرى، وزقاق المدن. كان يحضن المعاناة ليستميت الوطن، ولأنه إنسان، هده التعب، وارتداه الصمت، وشيطانه الرابض في أعماقه، يتأمل جنون ذئاب الوطن والتاريخ وكلام الله. في صمته، مازالوا يشهدون بمرارة أن بإمكان الملاك المتمرد في داخل عبد الله خلق المعجزات في زمن العار والخديعة!

                                                          محمد رياضي
                                                           البيضاء، يوليوز 2013


lundi 22 avril 2013

Strangers of Paradise ! أغراب الجنة

إهداء: إلى أغراب الوطن، بمختلف انتماءاتهم، واتجاهاتهم، وقناعاتهم، إلى كل أسير الاغتراب داخل الوطن وفي المنفى، فقط لأنه
فضل الغربة على موت الإحساس  بالانتماء الأصيل، الوطني والإنساني.. 

نص:

أغراب الجنة!



     

حيرة وجود..

  حيرة وجود .. سمة حورية أسطورية، وعناد نخوة جاهلية، وكبرياء أنثى إنسان، بملامح طفلة غامضة دائمة الحزن والابتسامة، صادفها في حيرة وجود، تا...