lundi 25 juin 2012

الحكاية الثانية: روح الانتماء ووعي المسؤولية !!

                       
متى نجعل من إنسانيتنا قضية؟
العربي أنا وحكايات الإنسان الآخر!

إهداء: إلى الإنسان العربي المؤمن ب : "مازلت أؤكد أن العـمل الصعب هو تغيير الشعوب، أما تغيير الحكومات فإنه يقع تلقائياً عندما تريد الشعوب ذلك.."  تحياتي
 

الحكاية الثانية:روح الانتماء ووعي المسؤولية !!

       إنها حكاية شعب الفلسفة، شعب العقل، الشعب المؤمن بالمفكرين وليس بالخطباء، شعب الوقت لا يرحم، كالسيف إن لم تقطعه قطعك، الشعب المدرك لوطنيته، والمتحكم في أفكاره ومواقفه، الشعب الذي هدته الحرب العالمية الثانية، وبسواعد النساء، ومن تحت الرماد، والدمار، وثقل عقوبات الحرب، انتفض فينيقيا مسؤولا على معايير وطنيته وإنسانيته؛ إنه الشعب الألماني.

روح الانتماء الألماني:
    قبل أسابيع أجبر رئيس ألمانيا "كريستيان فولف" على الاستقالة بسبب حملة صحفية كشفت القناع عن فضيحة استغلال نفوذ، ارتكبها الرئيس عام 2008، عندما كان يتولى عمدة ولاية "ساكسونيا السفلى"، حيث حصل على قرض عقاري منخفض الفائدة، غير قانوني لمن في منصبه، مما جعله، عن قصد أو دونه، يختلس فارق الفائدة.
وفي شدة التهاب الحملة الصحفية، لم يقر السيد الرئيس فقط بالمخالفة، وإنما ارتكب خطأ فادحا، حيث هاتف رئيس تحرير صحيفة "بيلد"، إحدى الصحف  الأكثر شعبية وإثارة في ألمانيا، ما يزيد عن 4 ملايين نسخة يوميا، صحيفة إثارة وتشويق وفضائح، من نوعية صحافة الشارع، أو ما تعرف بالجرائد الصفراء، وطلب منه تأجيل نشر تفاصيل القرض فقط ليوم واحد، وهدده باتخاذ إجراءات قضائية ضد الصحيفة إن لم يلتزم بالمدة المطلوبة. وبما أن ألمانيا من الدول التي تتمتع فيها الصحافة بحرية واسعة في تقصي الحقائق، والوصول إلى المعلومة، ونشر الخبر، لم يستسلم رئيس التحرير لتهديدات رئيس الدولة، وعمل بما يمليه عليه ضميره المهني والوطني، وقام بتعرية تفاصيل القرض الممنوح لسيادة الرئيس، عندما كان عمدة الولاية المذكورة أعلاه، فوقع "كريستيان فولف"، رئيس الدولة، في موقف لا يحسد عليه، ولم يجد من يحامي عنه تهمة استغلال النفوذ وخرق القانون، لدرجة أن بعض أعضاء الحزب الديمقراطي المسيحي، الذي ينتمي إليه، تموقفوا  علانية مع الحق والقانون، إيمانا منهم بأن الخطأ خطأ بغض النظر عن من ارتكبه، وتبرؤوا من فعلته، وأصروا على إقالته، بقناعة موضوعية ثابتة، بأنه لم يعد يحظى بثقة "معظم" الشعب الألماني، ولأن الصحافة حرة ومسؤولة، والشعب متشبع بروح الانتماء، لم ينقسم الشارع الألماني بين مؤيد ومعارض، فالوطن فوق كل اعتبارات، والوطنية لا تحجب الحقيقة، ومرفوض المزايدة عليها، فاضطر السيد الرئيس إلى ترك كرسي الرئاسة دون تعنت أرعن، كالاختباء الكاريكاتوري تحت  الغربال بحماية قوات صديقة أو دولية، أو التشبث بكرسي الرئاسة مهما كلفه من عناد دامي ومدمر لشعبه ووطنه.

الوطنية والوعي الشعبي:
وقبل أسابيع من استقالة السيد الرئيس، أرغم وزير الدفاع الألماني "كارل تيودور تسوغو تنبرغ"، هو الآخر، على ترك منصبه بقوة مصداقية الصحافة المؤثرة والموقف الشعبي المسؤول؛ ويحظى "كارل تيودور تسوغو تنبرغ" ، عضو قيادي في الحزب المسيحي الاجتماعي، بشعبية واسعة، وكان من المرتقب ترشيحه لمنصب مستشار ألمانيا في المرحلة المقبلة، لكن تسير الرياح بما لا تشتهي السفن، حيث ألزمته حملة صحفية مباغتة وشرسة على الاستقالة، لم تشفع له معها شعبيته وعضويته الحزبية، والسبب إزالة الغبار عن فضيحة أدبية تتعلق برسالة دكتوراه، حصل عليها عام 1999، حيث لم يشر إلى مصادر الفقرات المقتبسة، التي اعتمدها في رسالته، مما اعتبر سرقة فكرية.
دون تردد اعترف السيد الوزير بما نسب إليه، ورغم تأكيده أنه جاء عن سهو غير مقصود، لم يجد بدا من الاستسلام وتقديم  استقالته، ليس فقط من منصبه الحكومي، بل ومن كافة مسؤولياته السياسية والحزبية، ولم ينقسم الشارع الألماني، باختلاف شرائحه وتنوع قناعاتها الفكرية، بين مؤيد ومعارض، فوطنيتهم لا تعمي بصيرتهم في إدراك الحقيقة والتحليل وآخذ الموقف، إنها رباط مقدس بروح الانتماء الألماني، بعيدا عن التبعية وعبادة الأشخاص، ما يعزز قناعة مالكوم إكس، شهيد "الثورة السوداء" في أمريكا الخمسينات، »  على الوطنية أن لا تعمي أعيننا عن رؤية الحقيقة، فالخطأ خطأ بغض النظر عن من صنعه أو فعله.».   قد تكون استقالة الوزير والرئيس عادية ومقبولة في ذهنية الشعب الألماني والقوانين الحاكمة لمجتمعه، لكن ماذا لو وقعت في المجتمع العربي؟

خوف الرئيس وجنون الرئاسة:
إذا عرجنا إلى العالم العربي والإسلامي فالوضع يختلف، فالزعامات العربية خلقتها  ظروف الحركات الوطنية المنظمة ضد المستعمر؛ وبكفاح الشعوب، ونضالها، وتضحياتها، العمياء فداء لأوطانها، تحررت الأوطان العربية تباعا من جشع مخالب مستعمريها. وبعد الإستقلالات المشروطة، شئنا أم أبينا مشروطة، تملكت الديماغوجية والانتهازية بعض الزعامات، ولتحقيق نزوات مزاجية امتطت صهوة الشعوبية، وامتصت وفاء الانتماء، وضللت المسار الوطني. وبعدها انقلبت تلك الزعامات على الملكيات، بتهمة الخيانة ورفض توريث الملك، ونصبت نفسها على  جمهوريات في نسخها العربية. هلل من هلل، واغتيل من عاكس التيار، وتدبرت الرئاسات أيضا التخلص من رفقاء الانقلابات، تجنبا لأية مزايدة  من حيث لا تدري على كرسي الرئاسة. وفعلا تحققت لها السيادة، ومن حينها وهي تربض على كراسي الجمهوريات، وآلياتها الإعلامية، بكل أشكالها،  تُعتم، وتُعظم، وتُزغرد كما يحلو لها، ومن يشكر العروس غير أمها وحاشيتها، ومن يرى غير ذلك تساومه  الرئاسات، فاستمالت المثقف الانتهازي الفاعل الإيجابي لسلطتها وفكرها السائد، وانزوى المثقف المفكر الواعي المرفوض إلى الصمت الصامد، في حين ألجمت الرئاسات، بيد من حديد، فاه مثقف الفكر المعارض والناقد. وبسلطة الإرهاب دبرت الرئاسات شؤون شعوبها، وعاشت الشعوب العربية ما عاشته من ذل، وهوان، وتخويف، وترهيب، وعاش من الرؤساء جنون السلطة إلى حد التهريج الغبي، لكن بعد اندحار تلك الرئاسات الإرهابية انكشفت، بالصورة والكلمة،كواليس الوصاية الغربية، بمعسكريها الشرقي والغربي سابقا، في وصول تلك القيادات، مدنية كانت أم عسكرية، إلى كراسي رئاسات الجمهوريات العربية،كما لن نستطيع نسيان المشاهد الإعلامية المشوهة للرئيس والإنسان العربي في رمزية صدام حسين، ثم ما عرته  الأحداث التي عرفها العالم العربي، بعد هروب بن علي، وانشلال حسني مبارك، وتشويه علي صالح، وإخماد هستيرية القذافي، ونعرة جنون بشار الذي أقسم بإبليس جهنم أن يذبح الشعب، ويحرقه، ويدمره على أن يتخلى عن كرسي الجمهورية العربية السورية.  

صناعة الخوف والتماهي بالمتسلط:  
هل وصلنا إلى مستوى الفكر  الألماني المتحضر والمسؤول رئاسيا ووزاريا وشعبيا؟
لا أعتقد ذلك، فالشعوب العربية، بدرجات متفاوتة، من "الرئيس إلى الرضيع"، يتملكها هاجس الخوف، تعيش الحزن، والذعر، والإحباط، ف ».. الأمة العربية لها أسس فريدة من نوعها.. جميع الأمم مقوماتها اللغة والتاريخ والدين، ما عدا الأمة العربية، فمقوماتها اللغة والتاريخ والدين والخوف.. » على حد تعبير الشاعر والأديب السوري محمد الماغوط؛ إحباط اشتد إلى السخط وتبخيس الذات، والحقد المدمر للهوية والوطن. فالفكر الرئاسي عند العرب فكر مزاجي، استبدادي، تسلطي، يستند إلى ذهنية الراعي والقطيع ـ قطيع ليس بالذكاء الفردي والجماعي في مجمع النحل والنمل وغيرها من القطيع المنظم ـ ذهنية تلغي العقل، وتصنع الخوف، وتعزز ظاهرة "التماهي بالمتسلط"، لتجعلها من مسلمات الواقع العادي في مجتمع القطيع البليد، تتحكم فيه مزاجية سلطة الهيبة والترهيب، وتكريس ثقافة الخوف والتبعية الانتهازية. وليضفي الشرعية لإرهابه يستهوي الرئيس الخائف، صاحب هذه الذهنية الاستحواذية، القلوب المريضة من الجماهير والمثقفين وأصحاب الذقون، ويجد ضالته في الماضي، السلف الصالح الذي ولى، وأصبح وهما، يمجده، ويجعل نفسه قبلة النجاح، ومن أدار وجهه إلى غير وجهته يعتبر زنديقا،كافرا، وخائنا، ولا خيرا يرجى منه، ويجد من يفتي بجواز حماقاته، وتناقضاته، وإرهابه، إنها سلطة مزاجية الظلام، الظلامية التي تجعل التخلي عن كرسي الرئاسة في الوطن العربي من المعجزات. وأكدت التجارب الحية، التي عاشتها الساحات العربية، منذ اندلاع ثورة المواطن التونسي المفاجئة، أن التخلي عن كرسي الرئاسة، ليس بالأمر السهل، كالقناعة الوطنية الألمانية المسؤولة، حيث دفعت الشعوب أرواحا شهيدة بريئة وساخطة ثمنا لذلك، ولا يزال الشعب السوري الحر يواصل استشهاده في كل لحظة من أجل التغيير وإصلاح ما أفسده الحزب الواحد، من أجل غد أفضل وكريم.  

الوقاحة الرهيبة والوقاحة السافلة:
هذا بالنسبة للرئاسات، ماذا عن وزراء الحكومات العربية المتعاقبة منذ الاستقلالات الموجهة؟ لحد علمي المتواضع لم أسمع عن وزير تنحى عن طيب خاطر  ـ باستثناء القائد العربي جمال عبد الناصر، الذي تنحى عن قناعة وطنية وهو رئيس دولة مصر، والتاريخ يشهد على ذلك، اسألوه!ـ  أو إثر حملة صحفية ملتهبة، إلا من سخط عليه الرئيس، أو ضاعت منه مظلة الحزب الحاكم. فالوزير العربي، لا أعمم بطبيعة الحال، ألصقت به صفة الوقاحة الرهيبة، أشرسهم وزارة الداخلية، ويجهد لإطالة زمن استوزاره، ولا مانع لتغيير التخصص، المهم أن يستوزر، ويا ويل من خولت له نفسه أن يفكر في التشويش عليه، فحماية المنصب السامي أو الحزبي تنصره، وإن وقع كبش فداء، وأُبعد عن منصبه، لن يتردد في ارتداء قميص حزب آخر؛ والوقاحة السافلة في الوطن العربي، رغم سمعته الفاسدة، لا يتردد الحزب الآخر، في احتضانه؛ ومن هؤلاء الوقح من يتدبر، وبمباركة رسمية، تبررتها أبواق الديمقراطية الشعبوية، أمر إنشاء حزب خاص به؛ والغريب، هنا الطامة الكبرى، يجد في الشوارع العربية من يتبعه، ويهلل له ولحزبه الجديد، وينتخبه، وبقوة قادر يُحشر الفاسد الوقح داخل مجلس الشعب، أو الشورى، أو البرلمان، سموه ما شئتهم، ويتساوى، بكل ابتزاز إرهابي عنيف، المجرم السفاح بالمنتخب المؤتمن على حقوق الناخبين. أرجوكم، لا تبرروا سلبية الشعوب بالحاجة والعوز ونسبة الأمية العالية، وإنما الباعث المستبد بالغالبية هو الخوف، والجوع الروحي، والوطنية الفارغة إلا من الانتهازية. وتستمر الوقاحة بأساليب وألوان مختلفة بين الراعي والقطيع، لكن إلى متى؟

إلى متى؟
لماذا يتشبث الرئيس العربي بتعنته الأرعن؟ ففي يوم من الأيام سيودع، وسيلعنه التاريخ وهو في قبره، فالتاريخ لا يعرف "أذكروا أمواتكم بالخير"؛ وإلى متى تستمر الروح الجائعة والذهنية المتخلفة هي السائدة ؟ فالشعوب التي لا تمتلك مصيرها، شعوب متخلفة، وتتحمل مسؤوليتها في الوضع البئيس الذي تتمرغ فيه منذ إبعاد وجود المستعمر العسكري، والثورات الشعبية الجامحة التي عرفها الوطن العربي، لم تأت كتمرة إرهاصات فكرية وفلسفية سابقة، ولا بسبب حملات صحفية مؤثرة وذات مصداقية، وإنما اندلعت، من تونس، بثورة شخصية عفوية رافضة للذل والتحقير، و بفضل الفايسبوك والإعلام العالمي والعربي(الجزيرة والعربية) عمت، بسرعة الحريق، معظم الوطن العربي، نتيجة سخط سنوات القمع، والحرمان، والفساد، والتنكيل، والترهيب ، والتخويف، والوقاحة المستبدة. لكن من وراءها؟ سؤال يطرح أكثر من علامة استفهام.. ومن الوهم أن ينجرف شعب لا يمتلك مصيره، ويفتقد روح الانتماء، وبات عبئا على الوطن، إلى تحقيق التغيير والإصلاح وبناء مجتمع ديمقراطي محترم وكريم. ومن النفاق القول أننا سنحقق ثورة النهوض المتحضر والمسؤول، رئاسيا ووزاريا وشعبيا، إن لم تؤمن الشعوب بإرادتها في الإدراك الواعي لحقوقها وواجباتها، وتمتلك الجرأة في التحليل واتخاذ المواقف في قضاياها، ما لله لله وما للأرض للأرض، فالشعوب هي التي تغير، وتصلح، وتصنع التاريخ وليس الرؤساء، إنها قضيتنا الكبرى، التي أصر عليها الشيخ محمد الغزالي في قولته  »مازلت أؤكد أن العـمل الصعب هو تغيير الشعوب، أما تغيير الحكومات فإنه يقع تلقائياً عندما تريد الشعوب ذلك.. ».  فمتى نجعل من إنسانيتنا قضية؟ 
والحكاية الموالية..
                                               محمد رياضي
                                                              الدار البيضاء: ماي 2012


حيرة وجود..

  حيرة وجود .. سمة حورية أسطورية، وعناد نخوة جاهلية، وكبرياء أنثى إنسان، بملامح طفلة غامضة دائمة الحزن والابتسامة، صادفها في حيرة وجود، تا...