jeudi 26 mai 2011

! الفيلم التربوي والأبجديات الضائعة

الفيلم التربوي والأبجديات الضائعة!
تساؤلات حول الغياب الغامض للمهرجان الوطني للفيلم التربوي!! 
يحرص الفيلم التربوي على مقومات الشخصية المغربية في بعدها التاريخي والحضاري والثقافي؛ في حين،  يساهم المهرجان الوطني للفيلم التربوي في تطوير تقنيات التعبير التلفزيوني والسينمائي.
الإنسان و الصورة:
عند ابتكاره الصورة الثابتة لم تتوقف جهود الإنسان عن تطويرها وبث الحياة فيها، وبعد عقود من المحاولات تحقق الحلم، فغدت الصورة متحركة مع نهاية القرن التاسع عشر، وأبهرت العالم بحركتها الصامتة المعبرة في أول عرض شهدته باريس أواخر دجنبر 1895. وواصل الإنسان جهوده لتطوير الصورة الصامتة المتحركة، ونجح في فك صمتها،  فأدهش نطقها المتلقي الغربي وبعد ذلك الشرقي التابع له. وفي العشرينات تجاوزت الصورة الشاشة الكبيرة إلى الشاشة الصغيرة،  وبعدها أضاف لها الإنسان الألوان ، فأمتعت ناظريها في دور العرض وفي البيوت. وتطورت تقنيات وتعبيرات الصورة، وأبعادها وأهدافها، وتقوت تأثيراتها، فباتت سلطة ضاغطة في حياتنا اليومية،  تمارس، عن طريق مختلف الوسائل الإعلامية السمعية -البصرية، وعلى الخصوص التلفزيون، الوسيلة الأكثر والأسرع انتشارا، تأثيرا : فكريا وخلقيا واجتماعيا، وإيديولوجيا..  
وظيفة تأثيرية تدفع المتلقي إلى الاستجابة والاقتداء بما تمليه عليه لغة الصورة،كمشهد يجمع بين الحركة والحوار، فتُولد في دواخله رغبة في التقليد والعمل بالمثل، فيكتسب نمطا  مختلفا من ردود الأفعال، ربما عن قناعة أو عن استجابة فعلية فورية لتأثير الصورة اللحظي،  وربما يرفضه بتاتا لقناعة الموقف الذي تربى عليه، أو لأن فكره تعود سلطة ثقافة قامعة حجرت نشاط فكره، فلم يعد يستجيب إلا لسلطة الخوف!
وبالرغم أننا نعيش في عصر الصورة والثورة التكنولوجية الإعلامية  لا زال المواطن العربي على العموم والمغربي على الخصوص يتعامل مع الصورة كمادة استهلاكية عابرة ؛  في حين في الدول المتقدمة لم تعد وظيفة الصورة تتوقف فقط على الإخبار والتسلية وإنما أصبحت أساسية في  العملية التكوينية والتعليمية  والتربوية الحديثة، تعمل على توعية المواطن وإصلاحه وتحفيزه على المساهمة في التطوير و البناء والنمو الشخصي المنصهر في العام. فجعلت الصورة وسيلة فاعلة للتربية والتكوين والتحسيس عبر مختلف وسائل الإعلام السمعية- البصرية ، بالخصوص التلفزيون، من خلال أعمال فنية تختلف في المضمون والشكل والأهداف، من مسلسلات ومسرحيات و أفلام درامية وتسجيلية ورسوم متحركة وغيرها...

الفيلم التربوي والتواصل الهادف:
ويبقى الفيلم التربوي أحد الأصناف الفنية الإبداعية الهادفة التي تعتمد على التخييل و التوثيق، لمعالجة ظواهر اجتماعية
 ونفسية و بيداغوجية لتقوية التواصل التربوي في العملية التكوينية والاجتماعية. ورغم أنه ليس هناك مفهوما محددا للفيلم التربوي، غير أن رسالته التربوية والتكوينية والتعليمية تجعله صنفا دراميا مستقلا بذاته، ينغمس في الجزئيات ليعالج ظواهر تربوية، وسيكوبيداغوجية، وسيكوسوسيولوجية تخص  الطفل ، المعلم ، المدرسة، الإدارة ، العائلة والمجتمع..
 وكمشهد بيتي، يوفر هذا الصنف الدرامي الشروط الموضوعية والأخلاقية، التي تنبني عليها مكونات الفيلم التربوي، وفنيا يستوجب أن يتميز بالقدرة الإبداعية على تبليغ الرسالة التربوية وخلق تواصل تربوي بين مكونات المجتمع : البيت والشارع والمدرسة .
عمل يرصد سلبيات التربية لتحقيق  السلوك الإيجابي، ينبش في واقع سلوك مريض لذهنية متجاوزة ، ليقترح سلوكا صحيا عقلانيا ملائما للظرفية المعاصرة ، مع الحرص العميق على مقومات وثوابت الشخصية المغربية. رسالة تربوية تعتمد على  الفنية السينمائية و تأثير سحر لغة الصورة في  إكساب ثقافة ومعرفة، وتسهيل عملية التكيف الاجتماعي. 

المهرجان: ورشة إعلامية ثقافية تربوية :
ولتسخير الصورة للقيام بوظيفتها التربوية وتطوير لغتها الفنية عاش المغرب تجربة قصيرة، وئدت في مهدها، ويتعلق الأمر بالمهرجان الوطني للفيلم التربوي الذي كان محطة نوعية في المجال السمعي البصري، لكن التجربة لم تعمر طويلا . كان المولود ضعيف البنية، منذ ولادته، تعددت المرات التي أدخل فيها إلى العناية المركزة لإسعافه مؤقتا، لكن يدا خفية استطاعت أن تتسلل إلى غرفة الإنعاش، في دورته الرابعة،  وتمنع عنه قارورة الأكسجين وتقبض على أنفاسه.. ويفارق الحياة في ظروف غامضة! ويترك ملف الجريمة دون متابعة!!؟  
 رغم قصر  المدة ومحدودية الإمكانيات، كانت تجربة المهرجان، إلى حد ما،  ناجحة؛ ورشة إعلامية ثقافية تربوية، تلتقي فيها  مختلف الفعاليات التربوية و السينمائية والمؤسسات الثقافية والتربوية والحقوقية  لتقييم مضامين الأفلام المشاركة والتقنيات الفنية المستعملة لتبليغ الرسالة التربوية، مما خوله أن يكون  فضاء للاحتكاك و تبادل الأفكار بين  المهتمين بالمسألة الثقافية والتربوية  والسينمائية.. بالرغم أن المشاركة، خلال دوراته الأربع، لم تشمل إلا بعض مراكز التكوين على الصعيد الوطني، أخذ عددها يتقلص مع مرور الدورات.
وموازاة مع فعاليات دورات المهرجان، التي كان يحتكرها فضاء مركز تكوين المعلمين والمعلمات غاندي بالبيضاء، عرفت فضاءات الدورات الأربع مجموعة من الأنشطة التربوية والتكوينية، شملت عروضا نظرية وأخرى تطبيقية؛ الأولى نوقشت خلالها مواضيع تربوية سينمائية، والثانية حول  عناصر تقنيات كتابة السيناريو ، والتصوير  ، والإخراج، والمونتاج وغيرها من العناصر التي تكون شمولية الإبداع الفيلمي ... شارك في فعالياتها بعض المهتمين بالثقافة السمعية البصرية (إتحاد نقاد السينما)، والتربوية، والمؤسسات الثقافية والتربوية وغياب شبه تام لمن يحسبون على السينما المغربية.
فكل الأفلام ، التي قهرت الظروف وشاركت، بإمكانياتها البسيطة،  في دورات المهرجان الوطني المغتال تعالج ظواهر اجتماعية ونفسية وبيداغوجية، تهم العلاقة المتبادلة بين المعلم و المتعلم، وأهمية اللعب في حياة الطفل، والتشجيع على العمل الجماعي، والأنشطة التربوية، وعلاقة البيت بالمدرسة، وإشكالية العزوف عن التمدرس، وسلبيات العنف والعقاب، واحترام المشاعر والمواهب، وإشكاليات التعليم عامة، وبالوسط القروي خاصة، وغيرها  من المشاكل التي يتخبط فيها قطاع التعليم بشكل كاريكاتيري ساخر.
كل فيلم يشخص إشكالية في الحياة المدرسية، والأسرية، والاجتماعية، والنفسية، ربما تكون بسيطة أو تافهة ولا يعير لها أي اهتمام في حياتنا اليومية، لكنها مهدمة، وخطورتها تكمن في عواقبها السلبية التي تنبثق تدريجيا في مجتمعنا من حين لآخر... يتناول الفيلم التربوي تأثيرها على الجانب النفسي للطفل أو المعلم أو الأسرة،  في تعامل الشخص مع نفسه ومع الآخرين، فتتحكم في تكون شخصيته وسلوكياته وردود أفعاله. ويقوم الفيلم التربوي بتعرية السبب  أو الأسباب، وتفتيت العقد، تحليلا بيداغوجيا عصريا بالاعتماد على بساطة الحوار و تعبيرية اللغة الإخراجية الهاوية، وفي وقت قصير لا يتجاوز 26 دقيقة، وهي المدة المثالية للتركيز والانتباه غير الممل، كما أكدته بعض الدراسات والأبحاث العلمية.

المغرب ورهانات الإصلاح :
وعلى ضوء ما تقدم حول فاعلية الفيلم التربوي كأداة عقلانية فاعلة في علاج وتقويم السلوكيات وتكوين  الشخصية ونضجها، ومساهمته في إصلاح المنظومة التربوية والتعليمية والاجتماعية التي يراهن عليها المغرب الحداثي، وتطوير تقنيات العمل الفيلمي السينمائي والتلفزيوني على العموم،  وفي ظل التغيير الذي يعرفه العصر وتواكبه بلادنا، بتحرير فضائها السمعي البصري، لابد من بذل الجهود على مستوى عال، تحت وصاية الدولة، للاهتمام بالبعد التربوي ولسينمائي والحضاري للمهرجان الوطني للفيلم التربوي، وإعادة الاعتبار لهذا الصنف من الدراما الهادفة. وذلك بإحداث لجنة وزارية، تنتشل جثة المهرجان الوطني للفيلم التربوي من الحفرة التي أردم فيها، وإعادة تشريحها؛ ولضمان نزاهة التحقيقات، من أجل تحقيق الذات المهرجانية الوطنية للفيلم التربوي، يتوسم  في أعضاء اللجنة الحرص الوطني والنزاهة الفكرية والأخلاقية والتربوية. وغاية اللجنة ليس البحث عن المجرم، وإنما دراسة المشروع، والعمل على بلورته، ووضع الأسس التي تهيئ للمهرجان ظروف النجاح والاستمرارية، وتوفير آليات  العمل والتجهيزات الأساسية لتطويرها، حتى يتمكن من بلوغ أهدافه الفنية والتكوينية التربوية والاجتماعية و الثقافية.   
  وبعد استأصال الداء، ولضمان استمرارية وجود قار محترم للمهرجان، ولتتمكن مختلف مراكز التكوين الوطنية من المشاركة في المهرجان، ويتخذ مصداقيته الوطنية،  ولتطوير فعالياته، وتفعيل آلياته  للوصول إلى الأهداف المرجوة منه، أعتقد أن الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين لها الإمكانيات المادية والمعنوية لاحتضان وإدارة، بشكل تناوبي، دورات المهرجان، والإشراف على التجهيزات التقنية والإدارية، والتنسيق مع مختلف مراكز التكوين. فالأكاديمية جهاز منظم ومسؤول قادر على أن يتبنى مشروع  المهرجان،  وتسيير و تدبير آليات  متجددة لنجاحه واستمراره، وباستطاعة الأكاديمية  إيجاد موارد الدعم المادي، وتوسيع دائرة المشاركة لكل مراكز التكوين الراغبة في دخول المنافسات، والأهم من هذا النهوض بالعملية التكوينية داخل مؤسسات تكوين الأطر، و العمل على إدخال الوسائل السمعية البصرية،كوسيلة تعليمية معاصرة، إلى المؤسسات التعليمية.  ويتوفر المغرب على 16 أكاديمية،كل منها لها ميزانيتها وجهازها الإداري،  ولها الكفاءات الفردية المحلية باستطاعتها أن تتحمس للفكرة، وتقوم بتنظيم تناوبي  لدورات المهرجان، وجعله محطة للتباري في التنظيم و إنجاز أفلام تربوية بين الأكاديميات نفسها ، و بين مراكز تكوين المعلمين والمعلمات على الصعيد الوطني قاطبة، ويمكن فتح مجال المشاركة أمام المؤسسات التربوية الراغبة في دخول غمار المنافسة ، كما يمكن عقد شراكة مع المؤسسات المنتجة والمؤسسات المالية والثقافية والإعلامية، السمعية ـ البصرية، منها القناة الأولى والثانية، وأيضا الفعاليات السينمائية والتربوية والحقوقية،  والتعاون مع مختلف الهيئات الثقافية والسينمائية لتشجيع الفيلم التربوي ودعم حضور قار  لمهرجانه الوطني. 
شئنا أم أبينا  أصبحت الوسائل السمعية ـ البصرية تفرض نفسها على جميع المجالات، أصبحت أداة محرضة تزعج أصحاب القرار، وأداة حربية قاهرة تقلب كل الحسابات، ووسيلة فاعلة في تكوين التنشئة الحديثة. والفيلم التربوي ركيزة أي إصلاح بناء، فهو قادر على بلورة تواصل اجتماعي مبني على  تربية علمية ؛  والمهرجان الوطني للفيلم التربوي  تظاهرة تربوية علمية  سمعية ـ بصرية،  يمكن أن تساهم في تطوير الفعل التربوي والتعليمي والتكويني والفني على مستوى التلفزيون و السينما.
محمد رياضي
إعلامي
البيضاء، غشت 2004
 تاريخ المهرجان:

·        المهرجان الوطني الأول : 19 /22 أبريل1994          
          الجائزة الأولى مناصفة بين مركز المعلمين والمعلمات غاندي بالبيضاء عن فيلم "حالة شرود" ، ومركز تازة عن فيلم "الخمس".
          الجائزة الثانية : مركز المعلمين والمعلمات بالرباط عن فيلم "اللوحة اللبيدية".
          الجائزة الثالثة مركز المعلمين والمعلمات بالصويرة  عن فيلم "الأدوار الجيدة".

·        المهرجان الوطني الثاني : 25/28 أبريل 1995
                      الجائزة الثانية : مركز المعلمين والمعلمات بطنجة عن فيلم"كون يكون".
                      الجائزة الثانية : مركز المعلمين والمعلمات بخنيفرة عن فيلم "الأرنب".
                الجائزة الثالثة : مركز المعلمين والمعلمات غاندي بالبيضاء عن فيلم " ضربة خطأ".   

·        اضطر المهرجان إلى الاختفاء في 1996

·        المهرجان الوطني الثالث :  14 /16 ماي 1997         
       الجائزة الأولى :تم حجب الجائزة لعدم توفر الشروط الموضوعية و الفنية .
       الجائزة الثانية :  مركز المعلمين و المعلمات غاندي بالبيضاء عن فيلم "اللهيب ".
       الجائزة الثالثة : مركز تكوين المعلمين والمعلمات  بالعرائش عن فيلم "طريق الأمل ".

·        في 1998 تم تأجيل المهرجان ، و  انعقد مكانه يوم دراسي، في 22 ماي1998، بمقر مركز تكوين المعلمين والمعلمات غاندي بالبيضاء، لتقييم تجربة المهرجان ، وبحث شروط إنجاحه وتطوير فعالياته،لم يتحقق منها إلا السراب..

·        المهرجان الوطني  الرابع 14/16 أبريل 1999
  الجائزة الأولى : مركز تكوين المعلمين والمعلمات  بالراشدية عن أحسن إخراج لشريط "حائر بين عالمين"
       الجائزة الثانية :  المركب التربوي التعاوني المعري بالبيضاء عن أحسن صورة لشريط "حرقة"
      الجائزة الثالثة :   مركز تكوين المعلمين و المعلمات  بابن سليمان عن أحسن موضوع لشريط "المحفظة"

تم الاستئناس بالمراجع التالية:
* , Volume1 , Edition Atlas le Cinéma :  grande histoire illustrée du 7ème Art
* ملف لجنة الإعلام و النشر ، اللجنة المنظمة لدورات المهرجان الوطني للفيلم التربوي .
* د. هادي نعمان الهيتي، " ثقافة الأطفال"، سلسلة عالم المعرفة، العدد 123، مارس 1988.
*" الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين نقلة نوعية في التدبير الجهوي"، "المدرسة الجديدة"، نشرة شهرية تابعة لوزارة التربية الوطنية ، العدد 3، يناير 2002 ، ص  26  
* مقالات في موضوع الفيلم التربوي والمهرجان سبق لي نشرها في جريدة الاتحاد الاشتراكي وجريدة الأحداث المغربية.


!سحر الأعمال التركية

سحر الأعمال التركية!  
دراما متميزة تستحق المشاهدة، وتعمق تيه الانبهار، لكن...؟

منذ سنتين فقط من بث أول مسلسل تركي مدبلج على الشاشة التلفزيونية العربية، القناة الثانية المغرب وإحدى قنوات مجموعة م بي سي، عند  نهاية 2007 بداية 2008، عرفت الدراما التركية، نوعية المسلسلات، إقبالا جماهيريا واسعا، أكدته أرقام قياس المشاهدة  المغربية والعربية، وزكته حرارة اهتمام الشارع العربي الذي انبهر بقصصها الرومانسية، والاجتماعية، والإنسانية، وجماليتها البصرية، واحترافيتها الفنية...  لماذا حققت الدراما التركية حضورا جماهيريا متفوقا؟
دراما جديدة بنكهة عربية ومقومات الدراما المقنعة!
أرى أن نجاح الدراما التركية يعود، بشكل مباشر، إلى كونها جرعة بصرية فنية وفكرية جديدة، يحتاجها المشاهد المغربي والعربي على العموم، بعد الملل الذي شاب الدراما المصرية منذ عقود من الزمن، خففت من وطأة هيمنته المتعبة انتفاضة الدراما السورية، في أواخر الربع الأخير من القرن الماضي، من جهة، بفكرها العربي  القومي، ومن جهة أخرى، بروعة فانتازيا المشهد البصري، بالإضافة إلى أعمال أمريكا اللاتينية، بفكرها المسيحي، التي غازلت، ولا تزال، وجدان المشاهد العربي المقهور بالمحظورات وتبريرات واهية، وأتت الدراما التركية، دولة مسلمة عصرية، لتعمق تيه الانبهار في عمق المشاهد العربي والمسلم..
نجاح يرتكز على عناصر أساسية: أولها، أنها جنسية درامية جديدة أبهرت المشاهد المغربي والعربي؛ ثانيها، تقارب العادات والتقاليد، إلى حد ما، بين المجتمعين التركي والعربي؛ ثالثها، تنوع مواضيعها، واعتمادها قصصا رومانسية، واجتماعية، وإنسانية..؛ رابعتها، اعتمادها أيضا على المشاهد الخارجية، لإبراز جمالية الطبيعة التركية، والتعريف بمواقعها السياحية، والحياة اليومية..؛ خامستها، أنها ذات مصداقية المستويات الفنية، حيث تتسم الدراما التركية بالواقعية الاجتماعية، بعيدا عن نسخ الواقع، ونادرا ما تستعين بتقنيات الفلاش باك، والمؤثرات البصرية..؛ دراما تعالج قضايا اجتماعية ونفسية، وطنية وإنسانية..، فنفس التجارب الإنسانية المتناولة معاشة في مختلف مجتمعات العالم الأرضي، لكن ما يميزها للمتابعة هو الخيال القصصي، والإبداع في نسج حبكة درامية مفعمة بشحنات درامية متضاربة، مثيرة، مؤثرة، ومقنعة في التفاصيل المشهدية والحوارية، يغذيها الطابع ألتعددي للبطولة البعيدة عن الافتعال وألا واقعية، ويقويها البناء الدرامي للشخصيات في صراعاتها وتصادمها وتكاملها، فشخصيات الأطفال، هي الأخرى، ضرورية ومقنعة دراميا، وليس"دووز باللي كاين"؛ بالإضافة إلى نضج الإخراج في اختيار زوايا التصوير، وتعبيرية الإضاءة و الموسيقى..، وفي إدارة حس أداء الممثلين، وتوظيف الرؤيا الدلالية للمخرج، في إطار درامي تصاعدي مثير وشيق، يزداد تشويقا وإثارة مع توالي الحلقات، بالإضافة إلى احترافية عالية عند التقطيع لتمرير الوصلات الاشهارية، وعند نهاية كل حلقة، ما يمكن تعريفه بطعم صنارة الإثارة لمعرفة ردة الفعل أو التحول الدرامي المتوقع؛  سادستها، حسن اختيار العناوين المناسبة ذات شاعرية تعزف على أوتار حساسة في دواخل الإنسان العربي المهزوم، الحزين، المحروم..؛ سابعتها، والتي يجب علينا أن لا نتناساها أو نتجاهلها، هي جسر التواصل بين التركي والعربي، الذي وفرته احترافية الدبلجة الشامية في معايشة الصوت الشامي للانتماء الاجتماعي، والحالة النفسية والحركية للممثل التركي الأصل..
دراما جديدة إلى حين !
دراما جديدة على المشاهد العربي، وتجربة فنية متميزة  بمقومات عناصر الدراما التي سبق ذكر بعضها، فشيء طبيعي أن تحظى بشدة الإقبال الجماهيري على امتداد الوطن العربي من تركيا إلى المغرب، وشيء طبيعي أن يلهب هذا الإقبال الجماهيري تهافت القنوات العربية الأرضية والفضائية عليها؛ وللتذكير، كمشاهد، فالقناة الثانية كانت السباقة إلى بث المسلسل التركي قبل حتى الفضائيات، من خلال مسلسل "إكليل الورد" في نهاية 2007، ويعتبر هذا العمل أول مسلسل تركي تمت دبلجته إلى العربية، بالضبط العامية الشامية، تلاه ثاني عمل مدبلج "سنوات الضياع"، بث أيضا على القناة الثانية، ثم أتت الأعمال الأخرى التي حركت شيئا في نفسية المشاهد العربي..
وبث، لأول مرة، مسلسلا تركيا مدبلجا إلى العربية، لا أعتقد أنه أتى بمحض الصدفة، ولكن لاعتبارات أساسية في تقييم المضمون والشكل الفني، فبالإضافة إلى الحمولة الثقافية، الفكرية، التاريخية، هناك معايير الجودة الفنية والتقنية التي تعتمدها القنوات المتقدمة في اختيار البرامج، وتقييم جودتها، واقتنائها، ثم برمجتها.. فتقديم دراما مدبلجة جديدة، لأول مرة، مغامرة صعبة للغاية، حيث يبقى الهاجس المتعب في مدى تفاعل المشاهد مع هذه الدراما أو تلك، وبالأحرى إن كان مصدرها دولة إسلامية علمانية.. فبالإضافة إلى الرقابة الذاتية، يوضع المشاهد، دائما أمام الأعين، فهو البوصلة التي تقود في البحث الدقيق عن الإنتاجات الجديدة، ووضع الاختيارات البرامجية، فالمشاهد سيد الاختيار.. فغاية أية قناة تلفزيونية، أولا وأخيرا، تلبية رغبات وأهواء مختلف المشاهدين، والدراما التركية تتمتع بمصداقية الدراما الناجحة، المحترمة لنفسها، على جميع المستويات الفنية، والإقبال الجماهيري على مشاهدتها، على الأرضيات والفضائيات، يؤكد ذلك.. دراما تعتمد العواطف، الانفعال، التشويق، الإقناع، وإثارة الترقب لما سيحدث..
وانتشار الدراما التركية وإقبال المشاهد العربي عليها بهذا الشكل الواسع، أراه حالة صحية، تثير تساؤلات حول حدود العمل الدرامي، والفني بصفة عامة، وشروط نجاحه، وتُعيش المشاهد –المغربي/العربي- هاجس المقارنة بين الذات والآخر التركي،   والبحث عن شروط التطوير وفرض الهوية الدرامية.. وعلينا أن لا ننسى أنه لا شيء يستمر في بيان  تصاعدي أو خط مستقيم، إنها مرحلة انبهار، واكتشاف، ومقارنة، قد تطول، وقد تقصر إلى حين بروز طينة أخرى من الدراما، لما لا الأسيوية، الصينية، الكورية، اليابانية...، فلها ما تقوله في هذا المجال، وبامتياز كبير على مستوى الخيال و الإبداع والتقنية الفنية، وربما الأفريقية بقضاياها وخصوصياتها المحلية... فالجمهور العربي، والمغربي على الخصوص، جمهور مزعج، وذو مزاجية قاسية، يتشبث بالأجود، ويصر دائما على الجديد، والتنوع، والمصداقية الفنية.. لنبعد سوء النية، أو الحقد المجاني، ونعود إلى التاريخ ليفصل في أمر التجربة الدرامية التلفزيونية التركية..
التاريخ والإرادة التركية!
شئنا أم أبينا، تركيا دولة عصرية، تفوح بعبق التاريخ الإسلامي الممزوج بالحضارة الحديثة، دولة تعتز بإرثها الحضاري والتاريخي والإسلامي، ولا يمكن لأي إنسان، مهما كانت قناعته الفكرية، أو الدينية، أو السياسية، إلا أن يقف احتراما وإجلالا لهذا البلد الأصيل المعاصر..  
وللإخبار فقط، نقلا عن مصادر صحفية ودراسات وأبحاث ميدانية، فالدولة التركية لا تملك جريدة رسمية ناطقة باسمها، كما هو معروف في جل البلدان العالمية، فالصحف كلها خاصة، و يفوق عددها 50 جريدة يومية، وأكثر من 20 جريدة أسبوعية، وأكثر  من 2380 جريدة محلية وجهوية، أما المجلات فيتجاوز عددها  2520 مجلة، تغطي مختلف المجالات السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، الرياضية ، وغيرها... في حين تملك الدولة تلفزيونا حكوميا واحدا هو "تي ار تي"؛ ومع العلم أن التلفزيون لم يقتحم الحياة التركية بفعل مستمر إلا في أواسط السبعينات، حينها، ككل البدايات التلفزيونية في العالم المتقدم، السباق تاريخيا إلى التلفزيون، أُعطي الامتياز لدوره الإخباري والتربوي..
وتطوير الدراما التركية،  بالشكل الذي اكتشفته الجماهير العربية،لم ينزل مهيأ بأمر سماوي، وإنما انبثق من الأرض التركية، في بحر الثمانينات من القرن الماضي، من إرادة السياسة الوطنية، إرادة الإنسان، محور الحياة، مع سياسة الانفتاح الاقتصادي والسوق الحرة التي انتهجتها حكومة "اوزال" في 1983، وسط مناخ إقليمي ودولي متوتر وصعب، حيث شهدت تركيا في عهد  "تورغوت اوزال" (1927/1993) إصلاحات جذرية، حررت القطاع الاقتصادي، وخصخصت معظم مشاريع الدولة، بما فيه قطاع الإعلام المكتوب، المسموع والمرئي، وانفتحت على العالم الخارجي الإقليمي والعربي والدولي،.. ففي أواخر الثمانينات من القرن الماضي أُنشأت أول قناة تجارية، مما أجبر السلطة السياسية والقانونية على التسريع بتعديل القوانين لتتماشى والإصلاحات الجديدة، وفي حدود سنوات قليلة ظهرت إلى الوجود العديد من القنوات التلفزيونية.. حددت الدولة الخطوط العامة، وتركت التفاصيل للمنافسة في حدود إستراتيجية تحرير القطاع والنهوض به، وتعزيز الاحترافية،  والالتزام بالمعايير المهنية، وتشجيع التنوع بما يخدم الأداء التلفزيوني على العموم، فنشطت حركة الإنتاج الدرامي، مستعينة بتراكم التجربة السينمائية التركية، فأتمرت المنتوج الوطني بالشكل الاحترافي  الذي انبهرت به الجماهير العربية.. وفي الوقت الحاضر،  يصل عدد القنوات التلفزيونية إلى 15 قناة عمومية، وتقريبا 300 قناة محلية وجهوية عامة، بالإضافة إلى القنوات التي تلتقط عبر "الكابل" و القنوات المشفرة المؤدى عنها...والمحطات التلفزيونية المهمة تملكها، إلى جانب  وسائل إعلام أخرى كالصحافة، الراديو..، مجموعات صناعية كبيرة ومؤثرة في الاقتصاد الوطني؛ و يهيمن على القنوات الخاصة برامج التسلية والترفيه، وبرامج المسابقات، و الموسيقى، والرقص، وبرامج الخيال الدرامي التركي..
ويختلف الشعب التركي عن الشعوب المجاورة والقارة العجوز بحس الإنصات وولع المتابعة للبرامج التلفزيونية، ومحب وعاشق للمسلسلات الوطنية، لما تعكسه من هموم واقع المواطن التركي، وتطلعاته، وقيم الثقافة السائدة في المجتمع التركي، وتساهم في بلورة قيم إنسانية إيجابية في حياة تركيا المعاصرة.. إنها بمثابة برامج التوحد التلفزيوني التركي، حيث تبرمج أسبوعيا على تسع قنوات وطنية، في فترة الذروة، مباشرة بعد الأخبار الرئيسية، ما بين 20 و23، وتتراوح المدة الزمنية لكل حلقة ما بين 70 و90 دقيقة، تشمل تقاطيع الوصلات الإشهارية، بالإضافة إلى إعادة بثها في النهار والأوقات المتأخرة من الليل..  ولع الشعب التركي بالمسلسلات الوطنية منح دينامكية قوية لحركة الإنتاج الوطني، وتضاعف إنتاج المسلسلات الوطنية إلى ثلاث أضعاف في سنوات معدودة ،10 سنوات فقط، وتحتل دائما مقدمة في نسب المشاهدة، تتجاوز نسب مشاهدة بعض مقابلات كرة القدم..  
لكن لماذا التهافت التلفزيوني الجارف...!
نجاح التجربة التركية حصيلة للإرادة السياسية والقانونية لحكومة "أوزال" التي وفرت التسهيلات اللازمة للإصلاح وتحقيق  الانفتاح والتطوير، إرادة تحمل إصرار وطموح الشعب التركي، ومتنفس  للانفتاح على العالم الخارجي العربي، والأوروبي، والعالمي.. السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا تتهافت القنوات العربية على الدراما التركية؟ تهافت تذكي حرارته مجموعة فضائية مستقلة؛ هل دافعه تجاري؟ أكيد.. أم القناعة بجودة المنتوج التركي؟ لا شك في ذلك.. أم لأسباب إيديولوجية، باعتبار أن تركيا دولة علمانية، نجحت في فصل الدين عن الدولة، ولهذا لابد أن يكون لها تأثير ودور فعال في بسط الفكر العلماني في أرجاء معمور البلاد العربية والإسلامية ؟ ممكن، ولا يمكن إبعاده عن الحسبان..
محمد رياضي
إعلامي
الدار البيضاء، أكتوبر 2009






حيرة وجود..

  حيرة وجود .. سمة حورية أسطورية، وعناد نخوة جاهلية، وكبرياء أنثى إنسان، بملامح طفلة غامضة دائمة الحزن والابتسامة، صادفها في حيرة وجود، تا...