lundi 17 décembre 2012

لقاء خاص: علي بدرخان Ali Badrakhan

إهداء: تحية إلى كل فنان متمكن من أدواته الفنية، مثقف فاعل وملتزم بقضايا وطنه وهموم شعبه، ويحترم إنسانية المتلقي الذي يخاطب!

قضايا ومواقف


علي بدرخان
مخرج سينمائي ملتزم ومتمكن من أدواته الفنية ولغته الإخراجية، ومع ذلك يصنف نفسه هاويا!



      مخرج فنان ملتزم جريء في نقد الأوضاع السياسية والاجتماعية منذ ثورة الضباط الأحرار 1952 إلى ثورة ميدان التحرير 2010. مثقف فاعل، مخرج مبدع، صاحب موقف وقيم، متواضع ومتمرد جريء، ينفعل ويتفاعل مع قضايا وهموم الوطن. تجربة سينمائية تمتد لأكثر من خمسة عقود، من العطاء الهادف والنقد البناء، برؤية إخراجية في الطرح والمعالجة الدرامية، وقدرة فنية متمكنة في صياغة اللغة الضمنية للمشهد. أعماله تعكس اهتمام وفكر وموقف الفنان الملتزم بقضايا الوطن والتنشئة السياسية من أجل مواطن إيجابي قادر على التفاعل مع قضاياه الوطنية والسياسية والإنسانية، ايمانا بقناعته الراسخة بأن السينمائي لا يمكن أن يكون فنانا جيدا، إن لم يكن ملتزما بقضايا وطنه ومعاناة شعبه. مخرج الموقف، فنان له وجهة نظر، شديد التدقيق في اختيار مواضيع أفلامه، وفي إعدادها، وإنجازها، ومتمكن من لغته الإخراجية المعبرة، بعيدا عن الافتعال والانبهار الفني. مخرج فنان يحترم السينما ورسالتها، ويحترم عقلية وذوق المتلقي الذي يخاطب. إنه نجل المخرج السينمائي "أحمد بدرخان"، الكردي الأصل، أحد رواد ومؤسسي السينما المصرية، خصوصية أسلوبه الإخراجي ميزت حضوره الفني في الساحة السينمائية المصرية، بعيدا عن إغراءات السينما التجارية، وجعلته من أهم مخرجي السينما العربية. على مدى مساره الطويل، أخرج 11 فيلما فقط، الحب الذي كان- 73، الكرنك-75، شيلني وأشيلك-77 ، شفيقة ومتولي-78،  الرغبة-79، أهل القمة-81، الجوع-86، الراعي والنساء-91، الرجل الثالث-95، نزوة-1996، والرغبة-2002، إنه الفنان الوطني الإنسان، المخرج العربي "علي بدرخان"، التقطته عين مهتم بالسينما والتلفزيون، في إطار دورة تدريبية لتقنيات كتابة السيناريو، نظمها مركز التدريب المحترف للإعلام والتواصل "سكوب ميديا"، وذلك ما بين 29 نونبر و4 دجنبر 2012 ، بفندق دارنا بالرباط. وكان الحوار التالي:

رياضي: علي بدرخان، تاريخ من العطاء الفني والإبداع الملتزم، كيف يستحضر المخرج الفنان علي بدرخان، لجيل الشباب، تاريخ السينما المصرية، منذ طفولته، مرحلة الرواد إلى حدود ثورة 25 يناير؟
علي بدرخان: منذ البدايات، كثالث بلد يشهد عرض سينمائي في العالم، مرت السينما المصرية عبر مراحل كثيرة، عرض، وتصوير ، وإنتاج أفلام، حيث بدأت الصناعة أيضا في العشرينات، في الأول كانت هواية، وبعدها درس الرواد فن السينما في أوروبا، منهم والدي المخرج أحمد بدرخان، ود. أحمد خورشيد، وصلاح أبو سيف، محمد كريم، ونيازي مصطفى.. وتعلموا حرفيات السينما، وكان والدي أول من كتب عن الفن السينمائي وحرفياته، فقبل ذلك كان يكتب عن الفن السينمائي باعتباره ظاهرة جديدة، لكن أول واحد يتناول تقنيات اللغة السينمائية كان والدي في كتاب يحمل عنوان "السينما"، وكانت كتاباته في السينما، دافعا لإقدام الاقتصادي الوطني "طلعت حرب"، مؤسس الصناعة الوطنية في مصر، على إنشاء أستوديو مصر، حيث بعث بعضا ممن ذكرت في البداية،  وآخرين، إلى ألمانيا وفرنسا ليدرسوا الفن السينمائي، كان والدي يدرس الحقوق في فرنسا، وكان يكتب مقالات عن السينما في مجلة يرسلها من فرنسا، قرأ طلعة حرب المقالات، وراسله في أمر إمكانه دراسة السينما، والبحث في إمكانية صناعة السينما في مصر. بعدها قدم له والدي دراسة وافية في الموضوع، وأُنشئ أستوديو مصر، وعند إنهاء دراسته، عاد والدي إلى مصر، وعمل، رفقة آخرين، في أستوديو مصر.. في البداية كانت تديره بعض العناصر الأجنبية المتخصصة، إلى أن تسلم المصريون إدارته بالكامل، وبدأت الصناعة تزدهر في مصر، وبُني عدد من الاستوديوهات، كانت في البداية استوديوهات صغيرة، وبإمكانيات بسيطة، إلى أن تطورت بالشكل الذي توجد عليه في أوروبا، وتطورت معها الصناعة، وبدأت تزدهر، وأنشئ عدد من الاستوديوهات مجهزة بمعامل، وبطبيعة الحال كانت المعدات تأتي من الخارج.. لما قامت الثورة، كانت الصناعة مزدهرة جدا، فبدأ استخدام السينما كصناعة لنشر الثقافة والفكر الجديد، الفكر الاشتراكي، وكان من ضمن المشاريع، إنشاء أكاديمية الفنون ومعهد السينما، المشروع الذي قدمه والدي حينها لثروت عكاشة، رحمه الله، أحد ضباط الأحرار، كان حينها وزيرا للثقافة؛ وفعلا تم إنشاء المعهد، وبدأ يتخرج منه الطلبة، وأغلبية الأساتذة كانوا من العاملين في الحقل السينمائي، لهم دراية وعلم ودراسة بالفن السينمائي، وتلاحقت دفعات المتخرجين من المعهد، وكل الشباب العاملين اليوم في القطاع السينمائي من خرجي المعهد..

رياضي: رغم التجربة المحترمة، المسار السينمائي المتميز بنوعيته والتزامه الموضوعي، والفني، والجماهيري، يعتبر المخرج علي بدرخان نفسه هاويا، يا ترى كيف ترى المخرج المحترف؟
علي بدرخان: لا أزال أعتبر نفسي هاويا، المحترف يمتهن العمل في المجال كحرفة ضرورية يسترزق منها، وطالما فيه عمل يعرض عليه، فمن الضروري أن ينجزه، الاختيار عنده محدود، لكن أنا عندي القدرة على الاختيار إلى أبعد مدى، واختياراتي تعتمد على ما أقتنع به فقط؛ لدي وضع خاص يمكنني أن لا أعيش من هذه المهنة فقط، وبالتالي أنا أستطيع أن أختار، لكن ليست بالضرورة، لأن هناك من ليس له مصدر دخل غير هذه المهنة، وعليه العمل على ما يعرض عليه، فمثلا إن عرض عليه عملين، يمكن أن يختار أفضلهما، لكنه لن يستطيع رفض الاثنين، لأنه ملزم بمسؤوليات ضرورية في حياته المعيشية، البيت والأسرة وغيرها.. أما أنا فظروفي تختلف قليلا، لا أعتمد على دخل من السينما، فبالتالي أصنف نفسي هاويا..

رياضي: من"الحب الذي كان" في 1973 إلى "الرغبة" في 2002، مرورا بالكرنك، شفيقة ومتولي، أهل القمة، الجوع، الراعي والنساء، الرجل الثالث، ونزوة، عناوين لها دلالتها القوية في ذاكرة السينما المصرية والعربية، تحمل رؤى ورسائل فنية، ترتكز على مواقف سياسية واجتماعية وفنية وجماهيرية، تمرة تربية ثقافية وفنية، وإنسانية مشبعة بقناعة وروح وطنية.. أعلم علم اليقين أن المخرج الفنان الملتزم علي بدرخان يحسم في عدمية فصل السياسة عن الفن. كيف تتم عملية اختيار مواضيع أعمالك في ظل القمع الفكري الذي كان يسود مصر والمنطقة العربية عامة؟
علي بدرخان: من هو الفنان؟ الفنان فنان بيئته، وظروف اجتماعية تحكمها ظروف اقتصادية، وسياسية، وتغيرات يتفاعل معها؛ عنده ثقافة معينة، ودراسة معينة، تؤثر فيه، تكون فكره ووجدانه، وبالتالي عندما يريد أن ينجز عملا، لن يستطيع العمل خارج تكوينه؛ فأسلوب الفنان هو الشخص نفسه، تكوينه النفسي والعقلي والوجداني، وقناعاته في الحياة، ليس بالضرورة أن تكون مباشرة، يمكن أن نجدها ضمنيا داخل أعماله، تنم عن تفكيره، وعن ثقافته، وميوله، وهذا طبيعي، فإن لم يكن الفنان ينفعل بما حوله، لا أعرف كيف أسميه فنانا؟ إن لم ينفعل بما حوله بشكل حقيقي، ويحرك داخله بقدر يعبر عنها، فإنما تبقى الحكاية غريبة وصعبة جدا ..


رياضي: إن قمنا بعملية العد لمجموع أعمال المخرج علي بدرخان، سنجد أنها قليلة على مدى طول مشوار سينمائي متمكن من أدواته الفنية ولغته الإخراجية، ما سر ذلك؟
علي بدرخان: والله السر يمكن بسببي، يمكن أن أكون كسولا، ويمكن أن ظروف الإنتاج والنوعية التي يتحمس لها المنتجون مختلفة عن قناعاتي، فأنا لا أستطيع أن أقوم  بانجاز عمل معين إلا إذا كانت عندي قناعة كاملة، هذه القناعة يمكن أن لا تلقى هوى عند المنتج، أو لا يرى فيها مجال الربح، أو جماهيريا بالشكل الكافي، وإن كان حكمه، أعتقد، سطحي، وليس حكم رجل أعمال، فرجل الأعمال يجب أن يتوفر على بعد نظر، والجرأة على المغامرة والتجربة؛ فهناك فرق بين المحل المتخصص و"الخردواتي"، يعني المتخصص يفهم، بقناعة وشكل تام، في البضاعة التي يعرضها، لكن "الخردواتي" يأتي دائما بالبضاعة التي هي أكثر رواجا، لا يحاول أن يفكر في طرح الجديد في السوق، خوفا من أن لا يحقق ربحا، لكن في أغلب الظن ممكن للبضاعة الجديدة أن تحقق الكثير جدا، لأنها غير مألوفة عند الناس، والناس تحب دائما الجديد، تحب التغيير.. وأنا أعاني من أزمة كبيرة، لا أستطيع فصل نفسي عما يحدث في الشارع، هم دائم، يشغلني باستمرار، وعلاقتي بطلبتي تأخذ الكثير من وقتي، لكن أشعر بأنه التزام ضروري، وأنا شخصيا أستفيد من علاقتي بالناس وبطلبتي، لأني دائما أتابع  كيف يفكر الشباب؟ كيف يتحرك؟ وإن كنت سأساهم في هذا، وبإمكاني أن أفيد، فإني أعتبر ذلك دورا مهما، كالإنتاج الفني بالضبط، فأنا أنتج إنسانا سينتج فنا، ومن أكثر المهن التي أحترم كثيرا في الحياة: المدرس والفلاح، فالفلاح يزرع ويعطينا أكلا لنعيش، والمدرس يعلمنا كيف نعيش؛ أهم وأرقى مهنتين بالنسبة لي..  

                                  
رياضي: صرحت في إحدى خرجاتك الإعلامية بما مفاده أن السيناريو فيلم مكتوب على الورق لكن ينبض بالحياة والحركة، وبما أنك تتواجد بالمغرب، لتأطير دورة تكوينية حول تقنيات كتابة السيناريو، اسمح لي أن أسألك عن ماهية السيناريو وتقنيات الكتابة الدرامية.
علي بدرخان: ياه، نحن هنا لأسبوع، ولم نصل بعد لتحديده، وتطلب مني ذلك الآن؟ طيب، ماهية السيناريو؟ هي عملية تركيب، وتنظيم الأفكار في تتابع درامي، يعني أحداث وأفعال، تنم من خلال شخصيات مرسومة بشكل جيد، مقنعة، تحمل رسالة للمشاهد؛ هذا هو السيناريو.. السيناريو هو التخطيط البدائي للفيلم، وليس فيلما على الورق، الفيلم هو ما نراه على الشاشة، ونسمعه، ما نراه من حركة الممثلين، وأداء، وتعبير، وديكور، وملابس، وإضاءة..، وما أسمعه من حوار، ومؤثرات صوتية، وموسيقى.. كل هذا لا وجود له على الورق، فقط مجرد مؤشرات أو مختصر شديد لما سيكون عليه الفيلم، فعند قراءة السيناريو لا يستطيع القارئ أن يتخيل الفيلم إطلاقا.. ليس ممكنا..

رياضي: معروف أنك تشارك في كتابة سيناريوهات أفلامك، كيف تتم العملية مع السيناريست؟ ألم يقع مرة أن وقع خلاف مع أحدهم، فتخليت أو امتنع عن إتمام المشروع الفيلمي؟
علي بدرخان:كثيرا.. كثيرا.. كثيرا.. عندما يكون السيناريست لا يفهم دوره الحقيقي، دوره الحقيقي أن يصيغ فكرة في قالب سينمائي، سوف يتم صنعه كفيلم، ويجب أن يكون الصانع، الذي سيعبر عن هذا العمل، له وجهة نظر، إلا إن كنا نود أن نأتي بواحد يفتقد لوجهة نظر، ينفذ فقط ما جاء في  السيناريو، وبالتالي لا يضيف إليه الكثير، أما في حالة احترام أدوار الآخرين، فيجب على السيناريست أن يحترم دور المخرج، ودور مدير التصوير، ودور المونتاج، ودور الممثل.. يجب أن نحترم بعضنا البعض، ومهمة المخرج الأساسية أنه رجل له وجهة نظر، رؤية تفسيرية لنص سيناريو يحمل وجهة نظر أخرى، ومهمة المخرج أن يوصل رؤيته الواضحة للآخرين للتعبير عن هذا السيناريو، فإن كان لا يؤمن بهذه المهمة، ويفتقد لوجهة نظر، يبقى مجرد منفذ، وليس مخرجا؛ فالمخرج له وجهة نظر، ويختلف مخرج عن آخر بوجهة نظره الخاصة، ومستوى التعبير، والعمق في تناول وتفسير رؤيته، ومستويات التلقي.. فالعمل الذي أشاهده لأول مرة أكتشف فيه أشياء، وعندما أشاهده مرة أخرى أكتشف أشياء أخرى، أجمل وأعمق..

رياضي: بما أن المخرج المحترم لنفسه ولفنه ولجمهوره ولرسالته، يتحمل مسؤولية اختيار الموضوع والسيناريو،  فلماذا يحمل بعض المخرجين، وما أكثرهم، رتابة وتفاهة أفلامهم عند إنجازها وبثها إلى ضعف السيناريو، ويجعلون منه أزمة؟.
علي بدرخان: كما تكرمت حضرتك وقلت، موقف الفنان موقف اختيار، وذلك في أي مجال فني..
رياضي: يعني عندما يكون الفيلم تافها، ورتيبا، ومملا، فالمسؤولية ليست على السيناريست، بل على المخرج الذي اختاره وتحمل مسؤولية انجازه؟
علي بدرخان: أكيد، لأنه اختاره. لماذا اختاره؟ كان عليه رفضه بتاتا، لكن ممكن تحت الظروف، التي تكلمت عنها قبل قليل، ضغط الحياة المعيشية، البيت والأولاد، يجد نفسه مضطرا أن يشتغل..

رياضي: بالنسبة لكتاب السيناريو في تاريخ السينما المصرية، من تعاملت معهم وغيرهم، من تجدهم أكثر حرفية في الكتابة الدرامية؟
علي بدرخان: في الحقيقة، الجميع الذين تعاملت معهم يمتلكون حرفية جيدة، لكن الحرفية الدرامية لا تكفي، نعم لا تكفي، يجب على الكاتب أن يمتلك خيالا واسعا، ومشاعر، والقدرة على التعبير عن المشاعر والأحاسيس، فالحرفية من غير مشاعر وأحاسيس وخيال شيء جاف..

رياضي: وفي شباب اليوم، هل ترى بعضهم يمتلكون هذه القدرة من الحرفية المتمكنة؟
علي بدرخان: فيه أحمد محفوظ، علي الجندي.. وآخرون .. لا أتذكر الأسماء، فحكاية الأسماء صعبة علي الآن.. المهم فيه اثنين، ثلاثة جيدين..



رياضي:  شخصيات لها حضور نابض في ذاكرة السينما المصرية وفي عمق وقلب علي بدرخان، يا ريت أن تقربنا منها أكثر ذاكرة علي بدرخان المخرج الفنان والإنسان:
ا) أحمد بدرخان؟
علي بدرخان: بصرف النظر أنه والدي، هو أحد رواد الصناعة السينمائية، وشخص كان يحترم هذه الصناعة إلى أقصى درجة، يعلم جيدا أن هذا الفن ليس مجرد انطباعات، بل دراسة، وعلم، وجهد كبير، لقد عاش حياته لهذا الفن..
ب) طلعت حرب؟
علي بدرخان: طلعت حرب هو مؤسس الاقتصاد الوطني المصري، وله بصمات كثيرة في مجالات متعددة، منها صناعة السينما والفن، إنه رجل اقتصاد، لكن أدرك أن هذه الصناعة لها من الأهمية والتأثير والقيمة الاقتصادية الكثير، لذلك اهتم بها، ودعمها بشكل قوي..
ت) صلاح أبو سيف؟
علي بدرخان: صلاح أبو سيف، أحد الرواد السينمائيين، بدأ مونتيرا، ثم تحول إلى الإخراج، ككثير من المخرجين انطلقوا من المونتاج، ففي المونتاج يستطيع أن يعاين الفيلم وهو مفكك، يرى العيوب والمحاسن، ويستطيع أن يخلق تكوينا، فأنا كمخرج أشتغل لصالح المونتاج، يعني أنا أنجز لقطات كي تصلح، وتتوافق، وتتطابق مع بعضها، لكي تحكي لي قصة، أو توصل لي الإحساس أو المشاعر المطلوبة في الفيلم، فأنا أشتغل من أجل المونتاج، ويجب على المخرج أن تكون له دراية جيدة بالمونتاج، لكي يكون ذكيا، فالمونتير الذي يعرف جيدا المونتاج، أكيد يمكن أن يكون مخرجا بسهولة، كصلاح أبو سيف،  وكمال الشيخ، وأيضا خالد مرعي، الذي أصبح مخرجا جيد جدا..
ث) يوسف شاهين؟
علي بدرخان: يوسف شاهين، إنه أستاذي الأساسي، بطبيعة الحال أستاذي الأول أحمد بدرخان، لكن أستاذي الأساسي يوسف شاهين، تتلمذت على يده في المعهد، هو والأستاذ توفيق صالح، ثم اشتغلت معه في عدد من الأفلام، معلم بارع، لا يبخل بالمعلومة، وأنا استفدت منه كثيرا..
د) نجيب محفوظ؟
علي بدرخان: نجيب محفوظ قامة أدبية كبيرة في العالم العربي، وما تقرأه لنجيب محفوظ من قصص وروايات، فأنت تشاهد ما تقرأ، وتحس ما تقرأ، وكأنه كتب لك الصورة والصوت، هناك سهولة في التعامل مع نصوص وقصص نجيب محفوظ، سهولة في تجسيدها إلى أعمال درامية مرئية..
ذ) أسطورة السينما المصرية الفنانة سعاد حسني؟
علي بدرخان: سعاد حسني، حالة ناذرة، لأنها فنانة كاملة، فنان شامل، تجيد الأداء التمثيلي، تجيد الأداء الحركي، تجيد الغناء، تجيد الأعمال الدرامية المؤثرة، تجيد الكوميديا، فنانة متنوعة..

رياضي: لننتقل الآن إلى السينما المغربية، ماذا عن السينما المغربية بعين المخرج علي بدرخان؟
علي بدرخان: السينما المغربية، أرى أنها متميزة، وفيها سينمائيين ممتازين، ولكن الكثير منهم يشتغل على الفيلم في المغرب وعينه على الغرب، يعني يعمل وعقله ووجدانه مع الغرب، يريد أن ينال إعجاب ورضا العقلية الأوروبية، أكثر ما يفكر في الجمهور المغربي أو العربي، لكن هناك مخرجون متمكنين وممتازين..

رياضي: ما سبب عدم انتشار المنتوج المغربي في المشرق العربي؟ إن استثنينا صعوبة اللهجة، ولو أني لا أتفق مع من يُحملها سبب غياب الأعمال المغربية عن الصالات السينمائية المصرية والعربية، وأيضا إبعادها عن شبكات برامج القنوات العربية الأرضية والفضائية.. أعتقد، والكثير معي، من المغاربة والعرب، أن اللهجة المغربية أقرب إلى العربية من كل اللهجات العربية، المشكل في سرعة الكلام، كما أكد لي الكثيرون في تواصلي معهم، وأنت واحد منهم.. ما العمل لتُكسر اللهجة المغربية الحصار المضروب عليها، ولترويج المنتوج المغربي، السينمائي والتلفزيوني، في مصر والعالم العربي؟ ربما سيأخذ بالنصيحة أهل القرار في المغرب، يا ما آثرنا الموضوع في مناسبات عدة،  ولا من يحرك ساكنا..
علي بدرخان: أرى طبعا أن اللهجات العربية متنوعة، ولهجات شمال إفريقيا يمكن متقاربة في طريقة الإلقاء واستخدام بعض المفردات، تختلف مثلا عن المشرق العربي سوريا ولبنان والأردن، بالطابع المتقارب في الكلام، ومصر تختلف شيئا ما، مصر والسودان، لكن في النهاية نريد أن يحصل تواصل مع الجمهور العربي. أعتقد أن المشكل ليس في اللهجة المغربية، بل في انعدام تواصل كافي. فمثلا، أنا أول ما حللت بالمغرب، كنت أواجه صعوبة في فهم واستيعاب الكثير من الكلمات، لكن بعد أسبوع، بدأ يسهل علي الأمر، أعتقد أن التواصل سيحل هذه المشكلة.. عندنا تلفزيون، وسينما، وإذاعة، وانترنيت، ويوتيوب، والفايسبوك وغيرها..أصبح اليوم التواصل سهلا، فبفضل القنوات الفضائية، يمكن أن أفتح التلفزيون، وأتابع قناة مغربية وأنا في القاهرة، قبل الآن كانت صعبة، كنت في حاجة أن يأتيني فيلم مغربي، ليعرض في الصالات؛ كيف سيأتي؟ ومن سيتولى الأمر يفكر في الربح، إذن إن كان الجمهور لن يفهمه فلن يدخل السينما، يعني هناك مشكلة..  يمكن أن نفكر في حلول، والبداية أراها في إمكانية اختيار من اللهجة المغربية، طبعا المختلفة حسب المناطق المغربية، ما هي أوضح، وأبسط، ومفهومة في سرعة الأداء، في النبرة، في اختيار الكلمات.. يمكن استخدام هذا النوع من الكلام. ويمكن أن تُنتج أعمال مشتركة، مثلا اللهجة المغربية مع اللهجة المصرية مع اللبنانية.. الإنتاج المشترك والمتابعة يمكن أن يسهل ألفة اللهجة، فمثلا لما حضرتك تكلمني الآن، فإنك تكلمني بطريقة أنا أفهمها، وإذا كنت حضرتك تمثل في مسلسل أو في فيلم مع شخصية غير مغربية، وأنت تتحدث معها باللهجة المغربية، وبطريقة تريدها أن تفهمك، فبالتالي سيفهمها الجمهور اللبناني، والسوري، والمصري، وغيرهم.. فيمكن إنتاج أعمال مشتركة بشخصيات عربية مختلفة، وهذا التواجد، وهذا الخلط، طبعا يحتاج لموضوعات خاصة، فليس كل المواضيع نافعة في الإنتاج المشترك، هناك مواضيع خاصة، مثلا قصص لأحداث تقع في الغرب، للمغاربة، أو المصريين، أو اللبنانيين.. فشخص عربي موجود في الغرب، نجده في محيط يتواجد فيه عرب من جنسيات مختلفة، لهم مقهى تجمعهم.. سأحكي لك حكاية وقعت لي في ايطاليا، أول ما وصلت نصحوني بمقهى خاصة بالعرب، ورحت إلى مقهى العرب، كلهم يتواصلون مع النادل باللغة الإيطالية، وأنا لم أكن أعرف حينها الايطالية، فقلت لهم هذا الرجل له سنوات طويلة بالمحل، والمحل معروف بمقهى العرب، ولا يعرف عربي؟ استغربت للأمر، وبعد ذلك، كلما ولجت المقهى أقول له:"صباح الخير يا الكساندرو.."، بطبيعة الحال لم يفهمني في أول الأمر، فطلبت منه أن يرد علي "صباح النور" كلما قلت له "صباح الخير"، وكرر الكلام أمامي، وحفظه جيدا، فكلما طلبت منه: "القهوة وانبي يا الكساندرو.."، يأتيني بالقهوة.. فقط علينا أن نتفاعل، فعرب المقهى يتكلمون مع بعضهم عربي، لكن يتواصلون مع الآخرين إيطالي، ونفس الحالة مع الجاليات العربية في فرنسا.. فالتواصل هو الحل ليبقى التفاهم أسهل، فرأيي أنه بالإنتاج المشترك، بنماذج عربية مختلفة، يمكن أن نحقق التواصل اللغوي، فيقع نوع من التقارب بين المجتمعات العربية، ولا بأس من الاستعانة بوضع ترجمة الحوار على اللقطات، فليس عيبا، نعم ليس عيبا..

رياضي: معروف عنك لا تهتم بالجوائز، ولا تكترث بالمهرجانات، همك هو الالتزام بتقديم عمل جيد يحترم الفن والجمهور، ويحمل رسالة، لكن هذا لا يعني لا تتابع التظاهرات الفنية المهمة داخل وخارج مصر، ماذا عن المهرجان الدولي للفيلم بمراكش الذي يتزامن مع برنامج الدورة التدريبية التي تشرف على تأطيرها بالرباط؟
علي بدرخان: أنا شخصيا سبق لي أن حضرت مهرجان مراكش، لا أتذكر بالضبط السنة، قبل خمس أو ست سنوات، مهرجان جميل جدا، وممتع لمن يحضره، يستمتع بالعروض وأجواء مدينة مراكش الجميلة، ذات طابع تراثي خاص بها.. أي مهرجان لابد أن يكون له أهداف، ونحن الأهداف لا نهتم بها شيئا ما، فمثلا مهرجان "كان"، يقام في وقت الركود السياحي في كان، لكي ينشط الفنادق، والمحلات، والحياة الاقتصادية، والصناعات البسيطة؛ وكل هذا ينتعش في ظل المهرجان، وفعلا يحققون منه أرباحا اقتصادية، ومكاسب ثقافية ومعنوية، أما نحن العرب، فتهمنا المكاسب المعنوية، يعني نتماهى بمظاهر الآخرين، لكن الآخرون يقيمون المهرجان بهدف معين، وليست الدولة، أو وزارة الثقافة، التي تصرف على المهرجان، لا .. لا.. الدولة تعطي تسهيلات، وشريكات الطيران والفنادق تقدم تسهيلات وتخفيضات، والحياة العامة تنتعش حول المهرجان، شباب يشارك، بخدمات مقابل عائد مادي، لكن نحن لا نفكر بهذه الطريقة، ونعمل بدون هدف..
آه، تذكرت، قلت لي أنني لا أهتم بالجوائز والمهرجانات؟
رياضي: نعم، قلت ذلك..
علي بدرخان: من قال لك هذا؟
رياضي: سمعته خلال لقاء تلفزيوني مع قناة مصرية..
علي بدرخان:لا ..لا يعني لا أهتم، عندما أنال جائزة، أكون فعلا سعيدا بها، غير أنني لا أسعى وأناضل من أجل جائزة، جائزتي أن يقدرني جمهوري، لكن لا لجنة التحكيم، ولا النقاد أهتم بهم، لأنه من هذا الذي يحكم علي وعلى أعمالي؟ لا أنتظر، أيا كان منهم، أن يحكم علي، خالص ونهائي، لن يستطيع تقييمي فنيا، ليس له القدرة على ذلك، صعب أن يقرر إن كنت جيدا أو ضعيفا، غير مؤهل لذلك..

رياضي: يعني غير مؤهل؟
علي بدرخان: أكيد لا، أي واحد يكتب ناقد، أو لجنة مهرجان لا معنى لذلك، فلجن المهرجانات تدخل فيها الكثير من الاعتبارات، والمجاملات، والسياسة، وغيرها، وأنا لست شغوفا لذلك، صحيح نيل الجائزة تفرح الفنان، والناس تقدره، هذا جميل، لكن لا يعني إن لم تمنح الجائزة أنك فنان ضعيف، أو الذي نالها، هو أحسن الأفلام، إطلاقا لا، فقط حسب المعادلة التي تمت في المهرجان نال الجائزة، وليس لأنه أفضلهم، يمكن أن يكون رائعا، من الأعمال المتميزة، لكن ليس بالشرط أن يكون الأحسن..

رياضي: آخر أعمالك السينمائية يعود إلى 2002 تحت عنوان " الرغبة"، بعد هذا الغياب الطويل، هل هناك أي مشروع في الأفق القريب؟
علي بدرخان: نعم، إن شاء الله، للكبار فقط،
رياضي: كيف للكبار فقط؟
علي بدرخان: عنوانه هكذا "للكبار فقط"..
رياضي: آه، إذن لنترك المفاجأة للمشاهد حتى يكتشف ما للكبار فقط..

رياضي: ماذا عن مملكة علي بدرخان الثقافية، أقصد مكتبة علي بدرخان؟  كلمنا عنها..
علي بدرخان: في 1989 أنشأت مشروع جمعية ثقافية للشباب والنشء، وكانت تضم دارا للحضانة، كانت أول جمعية تتكلم عن التربية الديمقراطية، واستمرت تعمل لفترة طويلة، وتخرج منها العديد من شباب قادة ثورة 25 يناير.. كان للجمعية أنشطة قوية جدا، وكان الأولاد يحضرون معسكرات في الخارج، منها لقاءات بشباب من إسرائيل، وكان لهم دور كبير جدا في بلورة نقاشات سياسية.. أطفال أذكياء، أكبر سنا 14 سنة، وكنا نناقشهم في القضية الفلسطينية، في القضايا العربية، في الفرق ما بين الشمال والجنوب، الصراع الحضاري، كنا ندرس حالات سياسية عامة وما يشغل الرأي العام، ونختار الموضوع الذي يمكن أن نطرحه للنقاش، ونترك الأطفال يبحثون عن المعلومة، فمثلا موضوع عن التراث، يجتمع الأطفال للنقاش وتبادل الآراء، يكشف كل طفل عما علمه وسمعه عن الموضوع، وتتنوع معلومات ومداخلات الأطفال، وبهذه المناقشة يستفيد الجميع بإضافة معلومات جديدة، وتبقى هناك أسئلة عالقة، لا نستطيع الإجابة عليها، عندها يتوجب الاتصال بأستاذ متخصص ليستفسروه فيما يشغلهم، فنقدم للأطفال رقم الهاتف وعنوان الأستاذ المتخصص، فيتصلون به، ويستضيفونه ليس ليحاضر، وإنما ليرد على مختلف أسئلة الأطفال المعلقة، فالمعلومة تصلهم بسهولة، عكس أن نجمعهم ونأتي لهم بالأستاذ المتخصص ليلقي عليهم محاضرة في الموضوع، هذا درس، وإنما في الحالة الأولى هي عملية بحث من تلقاء نفس الطفل، في التفكير، وطرح الأسئلة، وجمع المعلومات.. كانت نوعا من التدريب على الاعتماد على الذات في البحث والتثقيف. كان للجمعية مجلس إدارة، وطاقم منتخب من الأطفال، كانوا يديرون الاجتماعات بحضور الآباء.. كانت جمعية نشيطة ومفيدة إلى أن تغير النظام الدراسي، فلم يعد للأطفال الوقت للانشغال بالأنشطة الثقافية، ولا الاجتماعية، ولا الرياضية.. لم يبقى لهم غير العطلة الصيفية، ومن غير المعقول المشاركة في المعسكرات كالعادة، فطول السنة لم تقم الجمعية بأي نشاط ثقافي كالمعهود، فتوقفت بصفة نهائية. وبعد ذلك، شجعني صديق الأستاذ إبراهيم داوود، الشاعر والكاتب الصحفي في الأهرام، على إنشاء مكتبة، وتأسست المكتبة مع صديقي وشريكي الأستاذ إيهاب عبد الحميد، مترجم ومؤلف، وتتكون المكتبة من جزء لبيع الإصدارات الجديدة، وجزء خاص بجمعية ثقافية مهتمة بشؤون السينما والحفاظ على التراث السينمائي، وتعليم السينما، والفنون الأخرى، والجزء الأول يدعم الجمعية، لأنها بطبيعة الحال بدون مقابل..
 
رياضي: ما دمنا في عالم الكتب، ما هو آخر كتاب قرأته؟ وآخر فلم عالمي شاهدته؟
علي بدرخان: منذ زمان كنت أرغب في قراءة  كتاب"قلعة ألْمُوت"، عن تاريخ كردستان، وبما أنني من أصل كوردي، كنت شغوفا لقراءته، كتاب ضخم، ولم أنهي قراءته بعد.. وآخر فيلم شاهدته، من الإنتاج الحديث، ليسري نصر الله الأخير، لا أذكر عنوانه، وهو عن الثورة، لكن لم أتحمس له كثيرا، لأنني أشعر بأن الأفلام التي أنجزت في أعقاب الثورة، لم تخدم أهداف الثورة. لما أقوم بإنجاز فيلم بعد ثورة 25 يناير، سأتفادى القول أن هناك ثورة 25 يناير، حتى لا أكون مستغلا للثورة لأربح من الفيلم؛ المفروض هو كشف أهداف الثورة، أسباب قيامها وأهدافها، وعلي أن أنجز فيلما يخدم هذه الأهداف، وبذلك سأعمل فيلما للثورة، وليس عن الثورة. يعني التزامي تجاه الثورة يحتم علي إنجاز فيلم يخدم أهداف الثورة، وطبعا نحن اليوم، بعد الثورات العربية، خرجنا من كابوس، كابوس طويل من القهر والظلم والفساد، والناس، المواطنون، أنفسهم تغيروا وجدانيا وثقافيا، والعادات أيضا، كل شيء تغيير، وتشوه، ولكي أدخل مرحلة بناء المستقبل، أحتاج أن أهيئ  المواطن وجدانيا،  يستوجب مساعدته في إعادة تنظيم وجدانه الذي تم تخريبه. نحن في حاجة إلى صياغة الوجدان، في كل دول الربيع العربي؛ وهذا هو دور الفن، عليه أن يكون على استعداد ومهيأ لعملية بناء، عملية عطاء، وفاء للرسالة الفنية والواجب الوطني.. فقيمة العمل ليست بالأجر، بل في حسن انجازه، وغير ذلك فإننا لن نتقدم خطوة..

 

رياضي: بما أن المخرج علي بدرخان، فنان ملتزم، وصاحب موقف سياسي، ماذا عن ثورة 25 يناير؟ في فترة الانتفاضة وغليان الحراك الشعبي في ميدان التحرير، قلب القاهرة ومصر قاطبة، من أجل التغيير، كنت طريح الفراش في إحدى مستشفيات القاهرة، إثر عملية جراحية، الحمد لله كللت بالنجاح، لكن رغم المرض وألم العملية نزلت حينها إلى ميدان التحرير لدعم الثورة المصرية، وعند الانتخابات منحت ثقتك، بقناعة وطنية إلى الدكتور أحمد مرسي، لأنك تؤمن، كملايين المصريين، بالرجل وبضرورة التغيير والغد الأفضل بحياة كريمة، ومنذ أيام ينتفض ميدان التحرير مرة أخرى بحراك شعبي ساخن، بين مؤيد ومعارض، لإعلان سيادة الرئيس، وبما أنك من الذين ساهموا في الثورة، ودعوا المصريين بعدم قتل الثورة في مهدها، وحثوا الشعب المصري على تكثيف الجهود لتحقيق أهدافها، برؤية المخرج الفنان الوطني أين المشكل؟ أم أن الحراك الشعبي هو حالة صحية من أجل مصر قوية؟
علي بدرخان: أنا طبعا دعمت الدكتور أحمد مرسي؛ عندي اختيارات، وعلي أن أختار، حقي الدستوري؛ في البداية منحت صوتي للأستاذ حمدين صباحي، ولكن لم يوفق، وصعد د. مرسي واللواء أحمد شفيق، وأحمد شفيق ينتمي للنظام السابق، وكان رئيس وزراء، وأشرف على ضرب وقتل المتظاهرين في الميدان، فيستحيل، بأي صورة من الصور، أن أمنحه صوتي، ويستحيل أن أمتنع عن التصويت، كما فعل الكثيرون، لأن العزوف عن التصويت يمكن أن يمنح فرصة الفوز، فيجب أن أعطي صوتي للطرف الآخر، لكي أضمن أن لا يعود النظام السابق مرة أخرى.
أنا أثق في د. مرسي، لأنه رجل شريف، ونزيه، ويريد الخير لهذا البلد، نعم ولاءه لإخوان المسلمين، لكن مصر أولا، يليها الإخوان المسلمين، هذه قناعتي، وما يحدث الآن، هي مسألة حسابات خاصة، ومصر ليست على الخريطة، إنه صراع قوى تتنافس على السلطة، قوى لا تتقبل بأحد المنتمين إلى التيار الإسلامي أن يحكم البلد، هذه القوى، يمكن أن نقول عليها نصف الشعب المصري، والنصف الآخر ليس ضده، يؤيده.. وأنا ضد ما يحدث الآن تماما، وضد الطرفين، ضد الطرف الذي أصدر الإعلان، ويعلم جيدا أنه سيواجه الرفض، وسيواجه حراكا قد يؤدي إلى انقسام الشارع؛ وضد من يدعي أنه يعمل لصالح الوطن، ويسعى إلى خلق الانشقاق أيضا من جهة أخرى.. أرى أن الاثنين مخطئين في حق مصر، هذا رأيي الشخصي.. رأيي الشخصي، أن من يعمل لصالح البلد عليه أن يعمل على توافق الناس، وتضامنهم، أن يصبحوا يدا واحدة. نعم، قبل أيام أصدر الرئيس أحمد مرسي إعلانا دستوريا مؤقتا، طبعا لماذا قام بذلك؟ طريقة لكي لا يترك فرصة للألاعيب المستمرة من يوم توليه الحكم، فأصحابها يسعون إلى إفشاله، أزيحت الجمعية التأسيسية، وأزيح مجلس الشعب، وبالتالي أزيح مجلس الشورى، ماذا يبقى في هذا النظام؟ إذن أنت تهدف إلى إسقاط النظام، وهو بدوره يقوم بإجراءات لحماية النظام، وهذا من حقه، أنت تسعى إلى شيء آخر، وأنا أسعى إلى حماية نفسي منك، عادي وطبيعي، لكن كان يجب أن يكون الأسلوب مختلفا، أن يكون فيه نوع من التفاهم، وإذا وصل إلى الطريق المسدود، يستلزم طرح الإشكالية على المواطنين قبل إصدار الإعلان، نُعلم الناس بحقيقة الاختلاف، كان يجب فعل ذلك، كي لا تحصل التفرقة التي أدت إلى الصدام في الشارع، لأن فيه غموض، فالرجل يقول بأنه أصدر الإعلان فقط حتى يمر الدستور، ويستغني عنه، إعلان مؤقت وكأنه لم يكن.. لا .. أكيد لا.. كلام صغير، نعم رأيي أنه كلام صغير، ولا يليق أن يصدر عن أناس مفروض أنهم وطنيون، مفروض أن عندهم علم، ولهم وعي،  لكن أحقق مصالحي الشخصية، ومصالحي الحزبية على حساب الوطن والمواطن، الذي يقاسي ويعاني منذ مدة، لا.. الناس البسطاء تعاني في مصر جدا.. وأدعي أنني أرغب خدمة البسطاء. لا .. لا.. أنت لا تخدم البسطاء، أنت تضر البسطاء، ومن أدراني أنك لو نلت الحكم ستبقى أمينا.. يا سيدي اترك الرجل يعمل، لما لا يعمل ويفشل؟ أو لا يعمل، ونطالب بإسقاطه؟ ليس هناك ما يمنع من ذلك؛ أما أن لا تُمكنه من العمل، هذه مباراة تفتقد للشرف والشهامة..

رياضي: كلمة لجمهورك المصري والعربي:
علي بدرخان: أتمنى لمصر وشعب مصر كل الخير، وللشعوب العربية كلها، وننطلق معا، والشعوب كلها تعيش بني آدميين..
رياضي:نتمنى ذلك !
تحياتي أستاذي علي بدرخان وللشعب المصري والعربي.
                       حاوره محمد رياضي
                       الرباط 04/12/2012

jeudi 6 décembre 2012

الحكاية الثالثة (5): الإسلام وإساءة براءة الغرب (L'Islam et l'offensante innocence de l'Occident (V


 متى نجعل من إنسانيتنا قضية؟
العربي أنا وحكايات الإنسان الآخر!

الحكاية الثالثة (5/5):     الإسلام وإساءة براءة الغرب
                             من المسؤول ؟

إهداء : إلى أي مسلم إنسان، يناضل بقناعة أضعف الإيمان كواجب الفرد تجاه دينه وهويته وإنسانيته، في ظلال النكسات المذلة، وخذلان الدكتاتوريات المتواطئة، وحرقة شماتة "جولدا مايير" المسيئة لكل عربي ومسلم:"عندما أحرقنا القدس لم أنم طيلة الليل، وتوقعت أن العرب سيأتون نازحين من كل حدب وصوب نحو إسرائيل، فعندما بزغ الصباح علمت وأيقنت أننا أمام أمة نائمة."
 
ماذا قدمت للإسلام؟
قال رسول الله، صلى عليه وسلم: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فقبله، وذلك أضعف الإيمان."


   فضائيات أفلام الإساءة:
               نتيجة التطور السريع لتكنولوجيا الاتصالات والإعلام، وغياب تشريعات مقننة للفضائيات، اقتحمت، بشكل عشوائي، الفضاء العربي الآلاف من القنوات الفضائية العالمية، والعربية لوحدها تفوق أكثر من 600 فضائية، وسيتضاعف عددها، أكثر وأكثر، بسبب الطلبات المتزايدة للاستثمار في هذا المجال. ونتيجة لذلك تغزوا البيت العربي الإسلامي العديد من الفضائيات، بعض منها تسيء إلى الإنسان العربي بتقديم صورة مقرفة وحقيرة عنه كمسلم، ولا من يحرك ساكنا إلا بعض أقلام الصحافة المكتوبة الغيورة، التي يقل حضورها المؤثر أمام هيمنة الإعلام المرئي- المسموع. فمثلا قناة فضائية مختصة في تقديم بعض تفاهة بوليود، بلا حرج تعرض أفلاما هندية، على قمر اصطناعي عربي، تسيء للمسلمين، وتمجد عظمة وهمية لستالون أو شفارزنغر الهندي، ولا يعنيني النزاع الحدودي بين الهند وباكستان فهذه مشكلة محلية، وعليهما حلها بالسلم بالحرب، بأية طريقة، وليس بجعلها أزمة استلهام لاستفزاز المسلم، في صياغة عدوانية ساذجة. فمشاهد العنف والاعتداء الهمجي مرفقة بالباكستاني، ليس لأنه باكستاني، ولا لأنه معتدي أو صاحب حق، وإنما فقط لأنه مسلم، وإدارة القمر الاصطناعي، العربي، لكامل الأسف، لم تتخذ أي إجراء ضد القناة الفضائية.. لا توهموني بأنها لم تبالي بالإساءة، فلماذا أوقفت بث قنوات أخرى بدعوى عدم احترامها لشروط البث؟ ما هي هذه الشروط؟ ما موقف الأنظمة والحكومات العربية والإسلامية من ذلك؟ أم أنها تدخل في خانة الحرية الإعلامية بمفهوم ديمقراطية الاستغلال الغربي؟

                       
   
        الوحدة وقضية الكرامة والإعلام العربي:
            أين الإعلام العربي من الوحدة العربية الإسلامية؟ فمقومات الوحدة المشتركة متوفرة: وحدة الدين، والإسلام يذيب الخطيئة والفوارق، ويعزز أواصر الإخاء والتضامن والتعاون؛ وحدة اللغة، وسيلة التعبير والتواصل، وانتماء لأمة واحدة؛ وحدة جغرافية، منطقة مشتركة تمتد من المحيط غربا إلى بحر العرب والخليج العربي شرقا، وبالإضافة إلى كل هذه المقومات، هناك المصلحة المشتركة السياسية، الاجتماعية، الاقتصادية، والعسكرية، مما يقوي حتمية ضرورة الوحدة العربية المشتركة.. فما أعاق تحقيقها إلى الآن كمشروع سياسي، اقتصادي أو عسكري؟ أرجوكم، لا تقولوا إنها الصهيونية، أو أمريكا، أو أوروبا، لقد مللنا هذا العصير الكلامي.. بل الآفة في مزاجية السلطة السياسية، القائمة على الطغيان والنرجسية المريضة، التي تعتبر نفسها شمس الوجود، حتى احترقت بحرارة شمسها المفرطة، كالقذافي، بن علي، مبارك، صالح، والهر المسعور بشار.. ومثل هذه الذهنية المتسلطة بقوى خارجية، وتعتيم إعلامي رسمي متواطئ، أعاقت تحقيق أي مشروع وحدوي داخلي؛ وبيت القصيد في تحقير العرق العربي، المسلم على الخصوص، يكمن في أرض الكرامة فلسطين، التي شوهتها مساومات بعض الأنظمة الخائنة، لتُسقط عنها صفة القضية العربية، والمسيرات الشعبية في العواصم العربية والإسلامية، التي تنتفض من حين لآخر، خير دليل على عروبتها، والاحتجاجات الشعبية التضامنية في الغرب تزيدنا إيمانا بعروبة قضيتنا، وشرعية فلسطين الوطنية والتاريخية والإنسانية. فهو الشعب الوحيد الذي لا يزال يرزح تحت وطأة المستعمر، وما دامت لم تحرر أرض الكرامة سنبقى، من "الرئيس إلى الرضيع"، ضحية الإهانة والتحقير الذليل. لماذا؟

           هل المشكل في الفلسطينيين؟  لا أعتقد ذلك، فالصراعات الفلسطينية الفلسطينية حالة صحية طبيعية، وعاشتها كل الدول العربية والإسلامية عند مقاومتها الاستعمار، وفي سنوات الصراع من أجل السلطة عند الاستقلال، ومع الشعب الفلسطيني البطل تشتد الصراعات أكثر حدة، لأنه شعب ثوري، ترعرع في النضال والكفاح والمقاومة، شعب متعلم، مثقف، واعي، وله تاريخ، ويؤمن بوطنه.  

            هل المشكل في تقدم الغرب؟ لا أعتقد، لأننا لا نعاني من ذلك، فنحن شعب مستهلك، والسلطة قمعت حرية الإبداع والرأي والتعبير، مما ترتب عنه هجرة العقول والكفاءات إلى الغرب، وساهمت، ولا تزال، في تقدم الحضارة الإنسانية.

            هل المشكل في الشعب العربي؟ لا أعتقد ذلك، فالسلطة السياسية خلقت فيه حالة الاستلاب، وزعزعة الكيان، وفقدان الثقة، لكن الإيمان لا يموت، إنه كالبركان، يخمد إلى حين، والثورات العربية أكدت ذلك.

            هل المشكل في الأنظمة العربية وحكوماتها ؟ أكيد، لكن ظاهرة السلطة العربية الكلاسيكية المستبدة، التي تعتمد شرعيتها بالقوة والعنف لفرض الطاعة وتدبير الشأن العام، تُجوزت، ولم تعد تُرعب الشعوب في زمن العالم قرية صغيرة، باتت السلطة السياسية المعاصرة تستمد مشروعيتها، وضمان استمراريتها، من الشرعية القانونية المقيدة بمبادئ الديمقراطية السياسية والاجتماعية الضامنة للأمن، المساواة، العدالة، وكرامة المواطن الإنسان، المبدأ القوي الذي يميز السلطة السياسية الغربية، فالمواطن ثروة بشرية، ركيزة شرعيتها، قوتها، وديمقراطيتها مع شعوبها.


        
    الضمير والوعي بأضعف الإيمان:
             كفى استسلاما..كفى خذلانا.. كفى استصغارا وتحقيرا للذات.. كفى.. فديمقراطية السيادة الغربية الاستغلالية، بتواطؤ مزاجية السلطة السياسية العربية الانتهازية، ترغب اعتقالنا، الشعب العربي، في اكراهات الحياة المعيشية، وتطمع في كراهيتنا لأنفسنا، ونقتنع، بإيمان عميق، بأن  الغربي المتطرف العنصري عادي في إرهابه، والمسلم إرهابي بعقيدته، ولن يتحقق لها ذلك، لأنها قضية مصير، مصير فرد وشعب وأمة، مما جعلها قضية شخصية، شخصية السلطة السياسية، وشخصية الذات الفردية، وشخصية الشعب الجماعية، وكل شخصية، من موقعها الخاص، تتحمل مسؤوليتها أمام الضمير الديني، والعرقي، والتاريخي.
         
            على الأنظمة والحكومات العربية الإسلامية تحمل مسؤوليتها بأمانة دينية وتاريخية، فالله يمهل ولا يهمل، والتاريخ لا يرحم، ولن تنفعهم أبواق فثاوي الأرواح البلهاء، التي تنزه، من حين لآخر، بعض القادة، وترفعهم إلى قمة  أعلى من درجة النبي، فهم مصدر الاستفزاز والإساءة، وتخاريفهم تشجع الغربي المهمش على التطفل على النبي محمد (ص) والإسلام، وعلى هذه الأنظمة منع ومعاقبة من يتقول بالتفاهات والحكي الخرافي عنها، فلن ينفعها لا في الدنيا ولا في الآخرة، لأنه إبليسي المبدأ.


          وفي إطار تقوية الحس الديني، والتعريف بالإسلام وقيمه الإنسانية، وخصال شخصية الرسول محمد (ص)، على الأنظمة والحكومات العربية الإسلامية خلق لجن لحقوق الإنسان المسلم للتواصل مع المراكز الثقافية، والمنظمات الحقوقية، والجاليات الإسلامية، والمؤسسات الدولية القانونية والإعلامية عبر العالم، من خلال تنظيم، بتنسيق مع الجامعة العربية، محاضرات وحوارات دينية وفكرية وقانونية في الجامعات والمعاهد الغربية، وعدم التجاهل والتساهل مع أية إساءة تمس النبي محمد (ص) والإسلام، والعمل على كشف الاعتداء اللفظي، وفضح المتورطين، بالحجة والدليل، ومقاضاتهم، والتحريض الإعلامي على مقاطعة منتجات دولهم، أو التي تبنتهم، لإرغامها على الاحترام المتبادل، والالتزام بالمواثيق الدولية.


           وعلى الإعلام أن يصنع تجاوبا إيجابيا بين الأحداث وقلوب المشاهدين، أن يخلق تفاعلا بين الصورة والعين والأذن، وليس حسبنا أن نتوفر على العديد من القنوات، الأرضية والفضائية، بل ماذا نقدم؟ وكيف نقدم؟ وكيف نصنع إعلاما مميزا بمضامينه وأشكاله الأدبية والفنية. وهذا لن يتأتى إلا بالحرية الفكرية، واستقلالية العمل الإعلامي، ضمان الاجتهاد والإبداع التنافسي، وبالتالي يمنح إعلاما مسؤولا وفعالا في تحقيق التواصل والإخبار، والترفيه، والتثقيف، والوعي الفردي والجماعي؛ فلا داعيا للاختفاء تحت الغربال والثرثرة والصراخ والعويل الهستيري باسم الدين، بل بالإقناع ومصداقية اللغة السمعية البصرية، وخطة إستراتيجية في خلق تحالفات وشراكات مع مجموعات إعلامية عربية وعالمية لتسخيرها في دعم مواقفنا وقضايانا المصيرية..   


            وعلى المسلم، المواطن الفرد، النواة المكونة لأي مجتمع، أن يتحمل مسؤوليته الفردية تجاه نفسه، والجهاد، على الأقل، بأضعف الإيمان، جهاد المقاطعة، مقاطعة منتوجات الدولة المنتجة لعنف الإساءة، لا ينتظر خطابا سياسيا رسميا في الموضوع، ولا يبرر ضعفه ولامبالاته بنذالة الآخر، العربي الانتهازي المتمسلم، غير الملتزم بالموقف واحترام الذات، فكل مواطن مسؤول عن نفسه، من موقعه الخاص، كفرد مسلم إنسان يحترم نفسه، إيمانا بحديثه ص: "إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم."

         فلنجاهد، على الأقل، بأضعف الإيمان الفردي، النابع من عمق ضمير الفرد المكون للضمير الجماعي، كإنسان يحترم وجوده ليحترمه الآخرون. بطولة عفوية، لكنها محكمة بإيمان قوي بجوهر القضية؛ إنها رمزية البطل المجهول، المكون لجوهر الفرد، والشخصية الجماعية المكونة للشعب، ولأمة تجاوزت مليار مسلم.
إن كانت الحرية تُؤخذ ولا تُعطى، فالاحترام يُفرض ولا يُمنح.
                                                                 
                                                                               محمد رياضي
                                 الدار البيضاء، أكتوبر 2012





حيرة وجود..

  حيرة وجود .. سمة حورية أسطورية، وعناد نخوة جاهلية، وكبرياء أنثى إنسان، بملامح طفلة غامضة دائمة الحزن والابتسامة، صادفها في حيرة وجود، تا...