vendredi 20 juin 2014

رائحة خيانة.. Smell of treason !



اهداء:"إلى كازابلانكا، الدار البيضاء الجميلة القبيحة، مدينة الصخب والمتناقضات.. إلى كل بيضاوي يغير على مدينته غيرته على وطنه.."
نص:


رائحة خيانة
       .....
       منذ مدة ما نال إجازة عمل، وما برح مدينته البرتغالية الاسم"كازابلانكا"، مدينة الضجيج والألم والنفاق، بعناد رفض الخضوع  لسخرية القدر السادي، فجرفه القهر الرهيب إلى عمق الضجر والاكتئاب الحاد،  فبات من الضروري أن يدوس روحه، ويندفع جسده يعدو بعيدا عن أرض الصخب والتناقضات، فأخذ إجازة يومين مع نهاية الأسبوع، لتصبح أربعة أيام، ليمنح نفسه قسطا من الراحة والتأمل والقراءة..
      استيقظ مع تباشير الصبح، وحرص كعادته أن لا يثير أي ازعاج، بهدوء طفق يغير ملابسه، ويتنقل بخطوات سريعة حافي القدمين يعد نفسه لمغادرة البيت، يجمع أقل ما يمكن من حاجياته الضرورية في هروبه..  مضطرب المزاج، مخنوق الخاطر، همه متى يطلق عنان الكيلومترات تأخذه بعيدا عن أرض النفاق دون أن يحدد الوجهة، بل لا يريد حتى نفسه أن تعرف أين سينفي ذاته لأربعة أيام..
     في السيارة اقتحمته رغبة جولة سريعة عبر بعض شوارع البيضاء، فقد تعود القيام بها من حين لآخر في أوقات متأخرة من الليل، أو في الصباح الباكر، ويوميا أيام العطل الدينية، حينها تتنفس كازابلانكا هدوء عابرا يتسابق مع الزمن قبل عودة البطون الجائعة مكشرة عن أنيابها لتنهش هدوء البيضاء المؤقت..
     يقود سيارته بسرعة بطيئة بشارع محمد الخامس، يتأمل هندسة المباني وفن ديكور خيال زمن الاستعباد، في صمت تنتصب وسط دماء شهداء التمرد والحرية ، ويعرج على شارع الحسن الثاني ينظر يمنة ويسرة، مباني بطابع عصري،  عمارات عالية،  واجهات محلات تجارية أنيقة تحاكي حياة الطغاة المبعدين، ثم يدخل شارع محمد السادس، شارع بروح مغربية أصيلة في قلب البيضاء المهمل، عندها اخترقت مخيلة رياض صور من أحياء القهر انبثقت من ظلمة خيانة الوطن، ومن المرآة اليمنى للسيارة تراءت له خيانات أخرى زرعتها وعود انتخابية كاذبة .. أحزنه ذلك كثيرا، فهو يحمل دائما همه في قلبه، ويتيه صامتا، ساكنا، حزينا، متوترا يبحث عن الوطن في مدينته الخانقة، وكلما ضاقت به نفسه يشتد عليه الخناق، وعناده ينفر الرحيل، فيأسره الصمت، شارد الذهن يعاين الفراغ المهلك، في إحدى مقاهي كازابلانكا.. والآن في سيارته يشتد غضبه أكثر، ويضغط على دواسة البنزين، ليهرب من عنف خياله، واستجابت السيارة للسرعة المطلوبة..

     ساعات من القيادة في صمت إلا من أزيز محرك السيارة، ومن حين لآخر، رجات عنيفة بسبب قوة رياح مختلف وسائل نقل الاتجاه المعاكس، لم يتوقف تفكير رياض عن السرحان، سافر إلى الزمن الماضي والحاضر والمستقبل، لا يدري كيف مرت الساعات، ولا أين وصلت به الكيلومترات التي قطعتها السيارة.. 
     أتعبه الجلوس وإرهاق السياقة، فجأة خفف السرعة ، وأوقف السيارة على جانب الطريق، وسط الطبيعة، تعلقت عيناه في الفضاء المطلق اللا محدود، عينان يغمرهما الحزن عما فات من حياته، وترفضان الآتي المجهول أن يكون تحت رحمة قدر ملعون، وفي حين قلق فضيع، انتابه إحساس رمادي قاتم،  فترجل من سيارته، استنشق عميقا صفاء الطبيعة، وحبس أنفاسه لثوان، وباستياء المراهن على حصان خاسر أطلق سراحها بنفخة ميؤوسة من بين شفتين محبطتين، كأنه تخلص من عبء بغيض، وأطال التأمل في الأفق البعيد، فسكن  لسكون المكان، إلا من تغاريد الطيور وهمهمات بعض الحيوانات المستأنسة للفلاحين، صمت لم يعهده في مدينته الصاخبة، صمت مخيف، ذكره بصمت رهبة المقابر، وراح في خياله يبحث عن الأمان في سكون حذر تفوح منه رائحة خيانة، وفي لحظة  انتفض مفزوعا، فاندفع فكره يصد هيجان الصمت الشرس، وتملكه حنين الاشتياق إلى مدينة عمره، فتراءت له حمامة بيضاء  رابضة في حضن  بساط أخضر، وأغارت عليه الذكريات الجميلة، فجأة توقف خيال الشوق، شعر بثقل يرزح على صدره، يجهل ما هو..  يا الهي، هل حبيبته ألم بها مرض مفاجئ؟ أم مهمومة بغيابه؟ أم حدس خيانة مبيتة؟ أم هي نار توقدت داخل رأسه لأنه لم يأخذ حبيبته معه؟ فهي أيضا في أمس الحاجة للسفر والترويح على النفس، لدرجة لوحت برغبتها في عالم افتراضي كأنها تعرض نفسها للمزايدة.. يشعر أن شيء يرهقه، يشغله، يتعبه في نفسه، ماذا يمكن أن يكون يا ترى؟ تأمل عميقا الطبيعة المنبسطة أمامه، وغاص حسه في جمالية مناظرها إلى أن أرهقه السكون، حينها  داهمه بقوة حنين  صخب  مكان الولادة والحياة، اعتاد في الصخب أن يبكي في صمت، يفكر في صمت، يعاني في صمت، فالصمت في مدينة الصخب كالبحر في سكونه، وهيجانه، وغموضه، فهب بالعودة إليها قبل ان يشله الصمت الساحق، لا يستطيع الاستغناء عن مدينة الضجيج والألم والتناقضات، علاقة بحب غريب تجمعه بها ، يكرهها ويود وصلها، يحب عفة روحها رغم قذارة الجسد، يعشقها بجنون عروة، وقيس، وعنترة ، وروميو، وكلما ابتعد عنها، بسبب ظروف قاهرة ،كلما غلبه الحنين والشوق إليها، ويستسلم لضعفه، ويهرع عائدا إليها، ولا ترتاح له نفس حتى يشتم حضنها الوسخ، كأنه مخدر من نوع نادر..
     أسرع الخطوات إلى سيارته، وبأصابع ترتجف أشغل محرك السيارة، وهو ينظر إلى عينيه مقطب الحاجبين في المرآة المعلقة أمامه، تفكر لثانية، وعدل عن فكرة العودة، وضغط على دواسة البنزين، وانطلقت السيارة تتابع طريقها بسرعة خفيفة إلى مكان يجهله..
     بعد ساعات في طريق ثانوية تصادف السيارة قرية نائية، لم يسبق لرياض أن سمع بها، بحث عنها في الخريطة الرسمية التي معه، ولم يجد لها أثرا، ربما يتطلب ذلك خريطة أكثر تفصيلا..
     إنه  وقت الظهيرة، والشمس محرقة،  كأنها قريبة من الأرض، حشد كبير من الناس يتجمهرون وسط الطريق، التي تخترق القرية الصغيرة، مما يعرقل حركة المرور، فاضطرت السيارة إلى تخفيف السرعة والتنحي جانبا حتى يفسح لها الطريق، فتوقفت إلى جانب موقف خاص بالحمير والبغال  ووسائل نقل تقليدية أخرى، وغير بعيد سيارة الدرك الملكي تعاين انتفاضة المكان، عويل وصياح وبكاء وحركة غير مألوفة تؤجج القرية بكاملها.. ما أثار انتباه رياض هو الحشد الغفير من المتجمهرين، نساء وأطفال ورجال من كل الأعمار، يفوق ساكنة القرية القليلة المنازل على جانبي الطريق.. يترك سيارته، يقوده فضوله ليستفسر في الأمر، ربما هناك تمرد مباغث، كالذي اندلع على غفلة الحكم الطاغي بسيدي بوزيد بتونس، وتوهج لهيبها في مصر واليمن وليبيا وسوريا، ولفح غيرها في أراضي الطغيان، فتملكه الخوف أن يقع ضحية احتجاج غريب عنه، وعليه أن يعود إلى مدينته الوسخة قبل أن يداهمه جنون المتجمهرين، ونهيق الحمير، وصهيل الأحصنة، وشحيج البغال، وصياح الديكة، ونقنقة الدجاج،  وخوار البقر ، وفحيح الأفاعي، وصئي العقارب.. لحظة لفت نظره شيخ وقور، يلبس جلبابا أسودا، يعتمد عصا في سيره البطيء، هدته سنوات العمر، عمر يمتد في عمق زمن القرية الباكية، أسرع إليه رياض وريث برفق على كتفه الأيمن، يلتفت إليه الشيخ، حزين الملامح، تجاعيد وجهه تعطيه الانطباع أنه أمام التاريخ، وبادره رياض بالتحية:
رياض:"السلام عليكم سيدي الحاج ، أرى الناس ينتحبون، يبكون ويولولون، ما الخطب سيدي؟"
      ببطء تطلع إليه الشيخ بعينين حمراوين، أكيد بسبب كثرة البكاء، وبثقة عالية، كمن على صلة وطيدة ومعرفة عميقة بالقرية وأهلها، رد الشيخ التحية ببحة حزينة:
الشيخ:" وعليك السلام يا إبني.. يا بني إنها "الحاجة مباركة"، ماتت المسكينة عند فجر اليوم.. والآن نحن في الطريق إلى المسجد لنصلي عليها صلاة الجنازة، وبعدها إلى متواها الأخير الذي ينتظرنا جميعا.."
رياض:"إنا لله وإنا إليه راجعون، ومن تكون "الحاجة مباركة"سيدي الحاج؟"
الشيخ :"من لا يعرف "الحاجة مباركة"؟ هي البركة، والرحمة، واليسر، والآمان، هي البارحة واليوم وغدا، وبركتها عمت أرجاء البلاد كاملا، كانت سخية مع النساء، وطيبة مع الأطفال، وحكيمة مع الرجال، ولا تبخل في تقديم المشورة والنصيحة والعون، أحببناها كثيرا، هي الأخت والأم والجدة، هي الحكمة، هي الصبر، هي الحلم، هي الأمل، هي الحياة، هي مفتاح الجنة، كل امرأة كانت تتوق للمبيت في حضنها الصالح الميمون، ولو مرة في الأسبوع، أو الشهر، أو السنة، أو مرة في العمر، لتمنحها البركة  والسعد الدائم.. والمبيت عندها بمثابة شفاعة تمحي الذنوب والمعاصي، فشي طبيعي أن ترى هذا الحشد من ناس الدوار والدواوير المجاورة.. ليرحمها الله، ويلحقنا بها مومنين يا بني.."
رياض:" آمين سيدي الحاج، وأنا محظوظ أن أشارككم صلاة الجنازة على هذه السيدة الفاضلة، لعلي أنال قليلا من بركتها، فعزاؤنا واحد سيدي الحاج.."
      أعداد غفيرة من الناس تدفقت في أثر الجنازة في طريقها إلى المسجد، تبكي، تصيح، تولول، وتكبر بالله، وتدعو بالرحمة والمغفرة للفقيدة الصالحة المباركة.. بعض النسوة فقدن وعيهن، والبعض ينتفن شعرهن ويتمرغن في التراب، وأخريات يندبن ويلطمن خدودهن، والقليل منهن يلفهن الصمت التائه، والأطفال ينتحبون بحرقة بريئة كأنهم تيتموا في أحد الوالدين، ورجال جسروا على ذرف الدموع والولولة كمعظم النساء..
     اكتظ المسجد عن آخره بالمصلين الذين أتوا من جيهات مختلفة ليشاركوا في صلاة الجنازة، لعلهم ينالون قسطا مما تبقى من بركة الفقيدة قبل رحيلها الأبدي، وخارج المسجد لم تتوقف النساء عن البكاء والصياح على رحيل الحاجة النبيلة، وتشتد حرقة بكاء الأطفال لحزن أمهاتهم..
    عند قيام صلاة الجنازة، يقف الإمام خلف جثة المرحومة "الحاجة مباركة"، الممتدة أمامه في كفن خالص البياض، إمام في مقتبل العمر، حديث العهد بالقرية، وخلفه بقلوب حزينة خاشعة يصطف المصلون، أخذ رياض مكانا له بجانب الشيخ، الذي صادف في طريقه،  مباشرة خلف الإمام، الذي التفت حينها إلى المصلين ليتأكد من استوائهم، ثم استدار إلى الأمام، تأهب لإقامة صلاة الجنازة، رفع راحتيه إلى الأعلى حذو الأذنين ليكبر، صمت تام يسيطر على المكان إلا من بكاء وصياح النساء والأطفال الآتي من خارج المسجد، بعد حين يكبر الإمام، ويصرح بجنس الميت:
الإمام:" الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، صلاة جنازة على رجل.."
    نزلت كلمة رجل كالصاعقة، وأطبق الصمت الخانق على المسجد والقرية، لا حركة إلا طنين الذباب، استغربت أعين المصلين مما سمعت آذانهم، شلت ألسنتهم، وأخذوا يتبادلون نظرات بلهاء، ولا أحد يجرؤ على أن ينبس بكلمة.. عند نهاية الصلاة، يلتفت الإمام إلى المصلين، ملامح الاستغراب على وجهه، المسجد شبه خالي تقريبا إلا من رياض، الشخص الغريب عن القرية،  وبعض المصلين من أعمار مختلفة، ربما هم أيضا غرباء عن القرية، حتى الرجل الوقور اختفى، لم يشعر رياض بانسحابه، كأن الأرض ابتلعته، وظل الامام ينقل نظراته في ذهول بين ما تبقى من المصلين الواحد تلو الآخر..
    عند خروجه من باب المسجد، يلف الاندهاش رياض من فراغ الساحة  من الازدحام البشري الذي كان يملؤها قبل قليل، شبه خالية تماما، كان لكلمة "رجل" وقع عميق على القرية بكاملها كقنبلة فاجعة هيروشيما، وانتشر أهلها هاربين من أشعتها المشوهة للحياة، ولشعورهم بالحرج، دفنوا وجوههم في فضاء صامت، وهم يهمسون حكايات رائعة عن أحاسيس مريرة لكي يصونوا شرف وجود مشبوه..
     أسرع رياض إلى سيارته، وهم عائدا من حيث أتى، إلى أرض النفاق وحياة الألم والتناقضات المكشوفة، وانطلقت السيارة بسرعة جنونية، كأنها هاربة من شبح يطاردها.. 
 م. رياضي
البيضاء يونيو 2014

mardi 10 juin 2014

آخر الكلام..

نص:

آخر الكلام.. 

       لن أتلاشى كأني لم أكن، الذاكرة تستعصي النسيان.. ولا تسأليني نسيانك، فأنا لا أتنكر للجميل، ولا للعهد، ولا للأحلام.. أعترف أن عشقك نار، شاغبني لهيبه ليل نهار في وحدتي ووسط الزحام..ربما ارتكبت غلطة، أو جرما، في حقي باختصاره عشق السماء والأرض،وفي إيقاظ شهداء الإحساس الصافي زيادة وجبران، روميو وجولييت، وغيرهم، وبات عشقا غير عادي في زمن مريض، فتملكتك حمى سذاجة أية امرأة عادية، وصفعني سقوط القناع.. وأنا ساكن النار أرفض الانهيار والموت المجاني، فمهما كان عشقي صعبا أنسفه لأتلف جذور الاستسلام الذليل، وأنعم في عذابي الأليم، على حد نصيحة مولاتي الأميرة.. لن أعتبرك كذبة أو سحابة عابرة، احتراما لما كان، ولن يهمني إلى أين ابتعدت، وأي تيار سحبك بعيدا.. أعلم أنك تجيدين كبرياء المرأة ودلال الأنوثة، وتتحملين نفاق البرودة، وتتصنعين الفرح و قوة الإيمان والثقة العمياء في النفس، وأخاف مجاراتك.. ورغم ضعفي أومن أني باق في عمقك رغم العناد، رغم البرودة، رغم الاختفاء، وسأجعلك في كل لحظة حنين تنتشين حتى الارتعاش .. 

رياضي
البيضاء، مارس 2014

كره دفين..

نص:

كره دفين..

        كفرت بالشمس، وآمنت بغيمة سوداء، وركبت سفينة أحاسيسها المضطربة الكافرة، وأعلنت ردة مغتالة الضمير، وأطلقت لسانها للريح يهدي كلاما يكفيها وحدها لإسباغ الصدق والتبرير على الشموخ الزائف، وبطولة نصر حزين، ونشوة التخلي البغيض.. لن أنازلها في ذلك، سأتنازل لها على هذه البطولة الوهمية، سأكتفي بأرشيف الماضي، وأربض في برجي العالي كما ادعت، وأتركها تنعم بنجاحاتها السعيدة، وحركاتها الاستعراضية المفتعلة، ويكفيها إيمانها المضطرب المختال، والمفاخر بالنفس المأسورة بالخوف، ورهان التحدي الأعمى، وفتنة الأنثى المقيدة بوحدتها الغامضة وحروب أوهام نفسية لا تستكين.. لقد صلبتني معاناة الموقف، ولن يقهرني هذيان قلب غاضب لأخون العهد والحنين، وأشوه وجهي في زمن التحلل..

رياضي
البيضاء، مارس 2014

جمرة ملتهبة..

نص:

جمرة ملتهبة..

         لحظة هائجة، أمواج عاتية عنيفة ترتطم في عمقه، ونار الحيرة والغضب تلتهم قلبه، ويحترق في همومه وأحزانه، ويتوهج السواد داخله، فتعتريه الوحدة، وتسلب إرادته، ويجلس يرتشف قهواه السوداء، ذهنه شارد، يتأمل الفراغ أمامه، منسلخ عن المكان، أو كأنه وحيد الأرض، والناظر اليه يستشعر انفعالات حوار خفي عنيف..

رياضي
البيضاء، مارس 2014

غدر الأميرة..

نص:

غدر الأميرة..

          بداية فصل الربيع.. مساء يوم ممطر، شديد البرودة.. رغم التعب هاتفها ليطمئن عليها، وبعد عشر دقائق التقايا، ورافقها إلى مبتغاها، وعلى طول الطريق شربا نبيذ الكلام، نسي نفسه واعتنى بها كأميرة المطر والربيع .. وعند الاقتراب من مقرها اختلقت الوهم، وبإصرار رهيب وعناد بارد ابتدعت العذر على رميه بسهم مسموم غادر: "أنت كذاب".. وامتد السهم غائرا في عمق قلبه، وبدت جافة الإحساس كأنها رتبت لقتله، ولفها كبرياء أنثى مغرورة تعشق التحدي المريض.. بهدوء اخترقه، وفجر عاصفة في عمقها : "لم أكن أعلم ذلك، والفضل لك أميرتي لأكتشف أنني شيطان. " .. وسارا في صمت جنائزي بقية الأمتار إلى المقر.. وعند الوصول تبادلا قبلات الوداع وافترقا .. توقف المطر، واشتدت البرودة، وعاد لاجئا إلى صمت المستحيل، والأمواج المجنونة، ولعبة النسيان.. 

رياضي
البيضاء، مارس 2014

جنون الإيمان !

نص:

جنون الإيمان !

         ضاقت بي الغربة داخل الوطن، كل شيء لا يطاق.. هذا ليس وطني، أو ربما لوثوا أرضه وهواءه ودينه، وبات غريبا، وطن بلا طعم ولا رائحة ولا عقيدة، لكن المصيبة أنني أومن به.. تبا لك يا وطن !!
        في أوج غضبي وغليان دمي سألت نفسي: "من أكون؟"
         هربت من نفسي إلى نفسي، فضمني شيطاني الذي ينتشي تعذيبي بوجع همساته التي لا تتوقف، وبسرعة تملصت وهرولت بعيدا، هربت من نفسي ومن شيطاني، طردته من قرارة نفسي، وهربت بعيدا وراء الصمت، وسافرت عبر الزمن إلى التاريخ العميق، وجدته مزاجيا فيما يحكي، واشتدت حدة غربتي أكثر فأكثر، فعدت أدراجي هاربا إلى زمني الوقح.. وضاقت بي الغربة، وهربت من نفسي إلى نفسي، عدوت وعدوت حتى بت وحدي، أو هذا ما اعتقدته، وبعد حين اقتحمني شيطاني بهمسه القاهر:"لقد تحيرت في أمرك يا رياض، لم أعد أفهمك، لما تسير في الطرقات وتحمل عود ثقاب مشتعل في واضحة نهار مشمس؟ ما اظنك إلا وقد أصابتك حمى الجنون !"..
         لم أهتم لهمسه، تابعت عدوي بعيدا عنه، وحر الشمس يلفحني، ويدي اليمنى بعصبية أمددها إلى الأمام أشد بالخنصر والإبهام على عود ثقاب مشتعل كأني أضيء به طريقي المظلم تحت الشمس.. وفي ثواني يحترق عود الثقاب، ولفح لهيبه خنصري وإبهامي، وبسرعة نفضت يدي وأنا أنفخ على خنصري وابهامي، وأمتصهما من حين لآخر، لأخفف ألم حرقة النار.. وتتكرر عملية الاشتعال والحريق والألم، وكلما ابتعدت عميقا داخل نفسي يطغى همس شيطاني أكثر، ويقهرني أكثر، وأحترق أكثر، وأتألم أكثر.. تابعت هروبي وبين أصبعي عود ثقاب مشتعل آخر، ثم آخر، ثم آخر، أتحمل حر اللهب ، كأني أنقب عن الشمس وأنا أصرخ في وجه حيرته: " إني أبحث عن الوطن، اتركني وحالي، ابتعد عني، لقد آلمتني كثيرا.."
        ببرودة همس شيطاني:"يا لك من مجنون !!"
       وبابتسامة باردة همهمت:"تعلم ذلك جيدا، ولولا جنوني لخنت الوطن. "..
       تركته حائرا، وتابعت هروبي من نفسي إلى نفسي في زمن العبث والخيانة..


 رياضي
البيضاء، مارس 2014

كلمات الصمت..

نص:

كلمات الصمت..

         كلمات لها دلالات في نفسية الأنثى الجميلة، الصافية، الصادقة، التائهة وسط وقاحة الحياة المختلة التي تصادفنا فيها.. لك أنت هذه الكلمات..
         أميرتي الحرة، القوية، المتمردة، أنا لا أختلق غيوما، ولا أتعمد الاختفاء، والحرية عندي هي قناعة مبدئية، فلا تتعالي، وتتمنعي، وتختفي، وتتجبري وراء كلمة الحرية ، فالخائف هو الآخر حريته تملي عليه الخوف، والصامت كذلك، والثرثار أيضا، والعبد، والمنافق، والعاهرة، والمخنث، والخائن، والأناني، والمغرور، وغيرهم من النفوس المريضة، فكل من باب ضعفه يلبس الحرية الثوب الذي يتماشى مع حالة نفسيته الوضيعة..
         أراك أسطورة إغريقية غامضة ، أو ربما لست في مستوى القراءة والفهم، لكن أعلم، ولى اليقين، أنت منبع الإحساس الجميل الذي صادفته، وعشقته، وأحسست به عمري كله حتى قبل أن ألتقيك.. نعم أنت محقة أميرتي، لك حق التعبير، قولي ما تشائين، وبعثري أوراقك كما تحبذين، واسبحي في عالمك كما تحلمين، واغتري بنفسك كما ترتاحين، وهددي كما تتوعدين، وعيشي الغموض كما تهوين، هذه حريتك، وأعترف بهزيمتي أمامها، لأن حريتي ليست حريتك أميرتي، حريتي قناعة ومبدأ وقضية، وموقف، لذلك أفضل، من حين لآخر، التواري حتى لا أصيبك برصاص الكلمات وألغام الإقناع..


 رياضي
البيضاء، مارس 2014

عبث روح غامضة..

نص:

 عبث روح غامضة..

           الفنيق، وحيد ليل خارج طقوس الظلام، اشتدت حلكته، وضاق هدوءه، واجتاح صهيل الصمت سكون المكان، فغمرت فضاءه ومضات غيمة مشؤومة أحرقت دماء الفنيق خلال النهار، وتعمق الشعور الجريح في عمقه، وانقبضت نفسه، وهاجت جمرة الكره العنيف، وهبت رياح لوم حارق، وزمجر، كالرعد الغاضب، حزن كبرياء العاشق في زمن المكر والخداع.. وعند الصباح، تواصل حديث القلب، وفي لحظة مفعمة بالقسوة العنيفة والعاطفة الجامحة رفرفت رغبة ورهبة حنين الرؤية، فأيقظت فيه عنقاء أحلامه خفقة اللقيا، استنشق عطرها، واقتحمه طيفها، وتوقدت روحها شعلة ملتهبة داخله، استسلم لها عناده الحاد، واستكان لهواها الحارق، وكان خارج مكتبه عند الثالثة بعد الظهر، والموعد في السابعة.. فأسرع يسابق دقائق الساعة في فوضى زحمة المواصلات، لعله ينهي بعض الأشغال المعلقة قبل موعد اللقاء، وفي طريقه لمح وردة بيضاء، بياض الثلج، كسح بياضها خاطره، فاشتهى لها حضن حبيبته الدافئ، اختطفها، وضمها إليه، والتصقت به، وابتلعهما زحام البيضاء الوسخة.. لساعتين، بتوتر حاد، ساير التيارات المضطربة في المدينة الموحشة العفنة، وبعد التخلص من مشاغله المعلقة، أسرع لملاقاة عنقائه، يتلهف ليقبلها بعينيه، ويحضنها بقلبه، ويشعلها نارا، ويضع الوردة البيضاء بين نهديها لتنتعش وتتفتح، وتفوح رائحتها الزكية.. تفادى الازدحام الخانق، وقطع طرقات وطرقات في وقت خيالي وجيز، ليصل، في الساعة السادسة وخمسة عشر دقيقة، إلى مكان الذكرى والموعد.. بكر في موعده، ويعلم أنه لن يجدها حينها، وضع الوردة البيضاء جانبا على الطاولة، وبعد لحظات، ناوله النادل قهوته السوداء وكوب ماء، ارتشف قليلا من الماء، فترك أحلامه ترسم طريقا سليما إلى المستقبل القريب، وخلال ذلك تبادل مع أميرته العنقاء رسائل قصيرة عبر الهاتف، علمت بمكان اللقاء، واستسمحته أن يمنحها بعض الوقت لإنهاء وثائق دراسية ضرورية، وستكون أمامه قبل السابعة وخمسة عشر دقيقة.. استسلم لبرودة تعنت الانتظار، وعيناه دون تركيز تلاحقان كلمات مقالة في مجلة عربية بين يديه؛ وبعد حين، لمح الحبيبة قادمة إلى المقهى، وعادت عيناه إلى فضاء المقالة، وانتظر وصلها دون أن يرفع عينيه عن المجلة.. انتظر وانتظر، وبعد انتظار مرعب رفع عينيه يبحث عنها، فجأة رن هاتفه، وتساءل في نفسه عمن يكون المهاتف..  إنها العنقاء، تتصل به من المكان العلوي للمقهى، تخبره أنها تفاجأت بشخصين من إدارتها رآها تلج المقهى، ودعاها احدهما لتنضم إليهما، وتملكتها الحيرة، لا تدري ما ستفعل، فطلبت استشارته.. صاعقة قوية دوت في عمقه، أصابته بألم عبث الروح الشريرة، وتراء له رأس أفعى تمارس عليه رقصة صفير الانقضاض.. أصابه ذهول، جمد لسانه، وسرت قشعريرة برد قطبي في جسمه، تأمل الوردة البيضاء مليا حتى لاحت له رمادا، وصوت العنقاء لم يتوقف، يترقب ما العمل؟ ببرودة ساخرة، أفهمها أنها اختارت، وأنهى المكالمة..  وبعد حين، ظهرت له العنقاء تنزل، بخطوات ثابتة، درجات سلم يتوسط المقهى، واتجهت مباشرة إلى الشخصين المهمين.. وفي خضم غليان صدمة الغدر، رسم نصف ابتسامة على ثغره، واحتسى قهوته مرة واحدة، وهم بمغادرة المكان، توقف عند النادل، مد له واجب المشروب، ورمى، مقطب الحاجبين، بنظرة حارقة إليها في أقصى الزاوية حيث تجالس غيره، لفحها لهيبها، ورفعت إليه عينين حزينتين تهمسان كلاما يتحايل البراءة، لم يعر أي اهتمام لهمسهما، وترك المكان، واشتد الغيض والغضب داخل العنقاء، وهي تتابع بمرارة عنيفة خطواته تبتعد عن قلبها..  بعد دقائق رن هاتفه، نظر إلى شاشته، وابتسم ابتسامة ساخرة، وأقفل الهاتف، وتابع اختراق الظلام..


 رياضي
البيضاء، مارس 2014

عربي، غريب الزمكان!

نص:

عربي، غريب الزمكان! 

          جيل بعد جيل.. غدا في الخمسينيات.. قهره الاغتراب داخل الوطن، فبدت عليه الحيرة والأسف في زمن بات نازي التفكير والتعامل ويتدين الخيانة.. تملكه اليأس والتوتر، وركب عناده، وتشبث بوهم الوطن، وطال السواد، وطفح الكيل.. فاحتدت مآسي الأرواح الناشئة، وانفجرت الأرواح الملتزمة بعبء التاريخ وحنين الوطن، وعلى غفلة من الطغيان وجبروت الجلادين، كما تقع أحداث الصدفة في أغلب الأفلام العربية المترهلة،اخترقت الحرية المقهورة حاجز قمع خيمنا العربية الشاحبة، من بابل إلى المحيط، وداهمتنا عاصفة غضب صاعقة، أضرمت شرارة إرادة الحياة في أرض الشابي، وداعت إلى أرض النيل، وأرض السعيد، وأرض شيخ الشهداء، وأرض الشام، وربوع الجسد العربي، ونفضت الرياح رماد سماد لفصل، قيل عنه، ربيعي، تأخر حلوله لأجيال، اهتزت الأرض، وشوهت الطغاة، ذللتهم، ونسفتهم.. ومرة أخرى، استبسلت القلوب المريضة والعقول الخادعة، حفدة مسيلمة الكذاب، وسلالةالذئاب المخصية، عبر عوالم افتراضية مشبوهة، لتحتدم فتنة الدهيماء في بطولات وهمية، جعلت الأوطان مشاريع خيانة، وعمقت أكثر تيه الاغتراب داخل الوطن وفي المنفى، وعمت فوضى الانتقام الدامي، فبات المصير عسيرا وغير آمن، أعنف من رعب الصهيونية، واندمج غريب الوطن، قنبلة موقوتة، هائما في حيرة الاغتراب الجديد، كيانه يصرخ، وقلبه ينزف، وعيناه تسرحان في ربيع غريب عن الطبيعة العربية الإنسانية، لكن إلى متى!؟


 رياضي
البيضاء، مارس 2014

أنت نار مستعرة !!

نص:

أنت نار مستعرة !!

       ظلت رهينة الحصار المعقد، نار مستعرة تحمل في جوفها حنين أحلام محظورة تسبح في زمن كان.. تحملت، وقاست، وعانت عنف رباط سوق العبيد، وأبكت حياتها حتى جفت دموعها، وصنعت استسلامها وسط العاصفة، وصارت حياتها منفى.. كرهت أنوثتها، وتبرأت من جسدها، لم يعد في ملكها، هاجره الاحساس، وانسحبت من نفسها، وزحف الزمن عليها شوكا وعوسجا وجمرا.. وانكمشت في صمت جليدي محرق، امتص أجمل سنوات عمرها، وتوغلت في عمق الانتظار العنيد، تترقب من يشفي غليلها، ويطفئ حرقتها، وينتشلها من منفى زمن العار، وتعود لها براءة الأحلام، وتعيش حرية الملائكة في فضاء الله.. وبعد حين، تأجج الغضب ثورة مشاعر عنيفة داخلها، رفضت حياة الذل والخداع وإحراج الشبهة، ولمست عمق العاصفة، ونسفت الحصار، وكان لقاء الصدفة.. الجميل والصعب والأخير في زمن العبث..


رياضي
البيضاء، مارس 2014

حيرة وجود..

  حيرة وجود .. سمة حورية أسطورية، وعناد نخوة جاهلية، وكبرياء أنثى إنسان، بملامح طفلة غامضة دائمة الحزن والابتسامة، صادفها في حيرة وجود، تا...