mardi 10 juin 2014

عبث روح غامضة..

نص:

 عبث روح غامضة..

           الفنيق، وحيد ليل خارج طقوس الظلام، اشتدت حلكته، وضاق هدوءه، واجتاح صهيل الصمت سكون المكان، فغمرت فضاءه ومضات غيمة مشؤومة أحرقت دماء الفنيق خلال النهار، وتعمق الشعور الجريح في عمقه، وانقبضت نفسه، وهاجت جمرة الكره العنيف، وهبت رياح لوم حارق، وزمجر، كالرعد الغاضب، حزن كبرياء العاشق في زمن المكر والخداع.. وعند الصباح، تواصل حديث القلب، وفي لحظة مفعمة بالقسوة العنيفة والعاطفة الجامحة رفرفت رغبة ورهبة حنين الرؤية، فأيقظت فيه عنقاء أحلامه خفقة اللقيا، استنشق عطرها، واقتحمه طيفها، وتوقدت روحها شعلة ملتهبة داخله، استسلم لها عناده الحاد، واستكان لهواها الحارق، وكان خارج مكتبه عند الثالثة بعد الظهر، والموعد في السابعة.. فأسرع يسابق دقائق الساعة في فوضى زحمة المواصلات، لعله ينهي بعض الأشغال المعلقة قبل موعد اللقاء، وفي طريقه لمح وردة بيضاء، بياض الثلج، كسح بياضها خاطره، فاشتهى لها حضن حبيبته الدافئ، اختطفها، وضمها إليه، والتصقت به، وابتلعهما زحام البيضاء الوسخة.. لساعتين، بتوتر حاد، ساير التيارات المضطربة في المدينة الموحشة العفنة، وبعد التخلص من مشاغله المعلقة، أسرع لملاقاة عنقائه، يتلهف ليقبلها بعينيه، ويحضنها بقلبه، ويشعلها نارا، ويضع الوردة البيضاء بين نهديها لتنتعش وتتفتح، وتفوح رائحتها الزكية.. تفادى الازدحام الخانق، وقطع طرقات وطرقات في وقت خيالي وجيز، ليصل، في الساعة السادسة وخمسة عشر دقيقة، إلى مكان الذكرى والموعد.. بكر في موعده، ويعلم أنه لن يجدها حينها، وضع الوردة البيضاء جانبا على الطاولة، وبعد لحظات، ناوله النادل قهوته السوداء وكوب ماء، ارتشف قليلا من الماء، فترك أحلامه ترسم طريقا سليما إلى المستقبل القريب، وخلال ذلك تبادل مع أميرته العنقاء رسائل قصيرة عبر الهاتف، علمت بمكان اللقاء، واستسمحته أن يمنحها بعض الوقت لإنهاء وثائق دراسية ضرورية، وستكون أمامه قبل السابعة وخمسة عشر دقيقة.. استسلم لبرودة تعنت الانتظار، وعيناه دون تركيز تلاحقان كلمات مقالة في مجلة عربية بين يديه؛ وبعد حين، لمح الحبيبة قادمة إلى المقهى، وعادت عيناه إلى فضاء المقالة، وانتظر وصلها دون أن يرفع عينيه عن المجلة.. انتظر وانتظر، وبعد انتظار مرعب رفع عينيه يبحث عنها، فجأة رن هاتفه، وتساءل في نفسه عمن يكون المهاتف..  إنها العنقاء، تتصل به من المكان العلوي للمقهى، تخبره أنها تفاجأت بشخصين من إدارتها رآها تلج المقهى، ودعاها احدهما لتنضم إليهما، وتملكتها الحيرة، لا تدري ما ستفعل، فطلبت استشارته.. صاعقة قوية دوت في عمقه، أصابته بألم عبث الروح الشريرة، وتراء له رأس أفعى تمارس عليه رقصة صفير الانقضاض.. أصابه ذهول، جمد لسانه، وسرت قشعريرة برد قطبي في جسمه، تأمل الوردة البيضاء مليا حتى لاحت له رمادا، وصوت العنقاء لم يتوقف، يترقب ما العمل؟ ببرودة ساخرة، أفهمها أنها اختارت، وأنهى المكالمة..  وبعد حين، ظهرت له العنقاء تنزل، بخطوات ثابتة، درجات سلم يتوسط المقهى، واتجهت مباشرة إلى الشخصين المهمين.. وفي خضم غليان صدمة الغدر، رسم نصف ابتسامة على ثغره، واحتسى قهوته مرة واحدة، وهم بمغادرة المكان، توقف عند النادل، مد له واجب المشروب، ورمى، مقطب الحاجبين، بنظرة حارقة إليها في أقصى الزاوية حيث تجالس غيره، لفحها لهيبها، ورفعت إليه عينين حزينتين تهمسان كلاما يتحايل البراءة، لم يعر أي اهتمام لهمسهما، وترك المكان، واشتد الغيض والغضب داخل العنقاء، وهي تتابع بمرارة عنيفة خطواته تبتعد عن قلبها..  بعد دقائق رن هاتفه، نظر إلى شاشته، وابتسم ابتسامة ساخرة، وأقفل الهاتف، وتابع اختراق الظلام..


 رياضي
البيضاء، مارس 2014

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

حيرة وجود..

  حيرة وجود .. سمة حورية أسطورية، وعناد نخوة جاهلية، وكبرياء أنثى إنسان، بملامح طفلة غامضة دائمة الحزن والابتسامة، صادفها في حيرة وجود، تا...