jeudi 26 mai 2011

!سحر الأعمال التركية

سحر الأعمال التركية!  
دراما متميزة تستحق المشاهدة، وتعمق تيه الانبهار، لكن...؟

منذ سنتين فقط من بث أول مسلسل تركي مدبلج على الشاشة التلفزيونية العربية، القناة الثانية المغرب وإحدى قنوات مجموعة م بي سي، عند  نهاية 2007 بداية 2008، عرفت الدراما التركية، نوعية المسلسلات، إقبالا جماهيريا واسعا، أكدته أرقام قياس المشاهدة  المغربية والعربية، وزكته حرارة اهتمام الشارع العربي الذي انبهر بقصصها الرومانسية، والاجتماعية، والإنسانية، وجماليتها البصرية، واحترافيتها الفنية...  لماذا حققت الدراما التركية حضورا جماهيريا متفوقا؟
دراما جديدة بنكهة عربية ومقومات الدراما المقنعة!
أرى أن نجاح الدراما التركية يعود، بشكل مباشر، إلى كونها جرعة بصرية فنية وفكرية جديدة، يحتاجها المشاهد المغربي والعربي على العموم، بعد الملل الذي شاب الدراما المصرية منذ عقود من الزمن، خففت من وطأة هيمنته المتعبة انتفاضة الدراما السورية، في أواخر الربع الأخير من القرن الماضي، من جهة، بفكرها العربي  القومي، ومن جهة أخرى، بروعة فانتازيا المشهد البصري، بالإضافة إلى أعمال أمريكا اللاتينية، بفكرها المسيحي، التي غازلت، ولا تزال، وجدان المشاهد العربي المقهور بالمحظورات وتبريرات واهية، وأتت الدراما التركية، دولة مسلمة عصرية، لتعمق تيه الانبهار في عمق المشاهد العربي والمسلم..
نجاح يرتكز على عناصر أساسية: أولها، أنها جنسية درامية جديدة أبهرت المشاهد المغربي والعربي؛ ثانيها، تقارب العادات والتقاليد، إلى حد ما، بين المجتمعين التركي والعربي؛ ثالثها، تنوع مواضيعها، واعتمادها قصصا رومانسية، واجتماعية، وإنسانية..؛ رابعتها، اعتمادها أيضا على المشاهد الخارجية، لإبراز جمالية الطبيعة التركية، والتعريف بمواقعها السياحية، والحياة اليومية..؛ خامستها، أنها ذات مصداقية المستويات الفنية، حيث تتسم الدراما التركية بالواقعية الاجتماعية، بعيدا عن نسخ الواقع، ونادرا ما تستعين بتقنيات الفلاش باك، والمؤثرات البصرية..؛ دراما تعالج قضايا اجتماعية ونفسية، وطنية وإنسانية..، فنفس التجارب الإنسانية المتناولة معاشة في مختلف مجتمعات العالم الأرضي، لكن ما يميزها للمتابعة هو الخيال القصصي، والإبداع في نسج حبكة درامية مفعمة بشحنات درامية متضاربة، مثيرة، مؤثرة، ومقنعة في التفاصيل المشهدية والحوارية، يغذيها الطابع ألتعددي للبطولة البعيدة عن الافتعال وألا واقعية، ويقويها البناء الدرامي للشخصيات في صراعاتها وتصادمها وتكاملها، فشخصيات الأطفال، هي الأخرى، ضرورية ومقنعة دراميا، وليس"دووز باللي كاين"؛ بالإضافة إلى نضج الإخراج في اختيار زوايا التصوير، وتعبيرية الإضاءة و الموسيقى..، وفي إدارة حس أداء الممثلين، وتوظيف الرؤيا الدلالية للمخرج، في إطار درامي تصاعدي مثير وشيق، يزداد تشويقا وإثارة مع توالي الحلقات، بالإضافة إلى احترافية عالية عند التقطيع لتمرير الوصلات الاشهارية، وعند نهاية كل حلقة، ما يمكن تعريفه بطعم صنارة الإثارة لمعرفة ردة الفعل أو التحول الدرامي المتوقع؛  سادستها، حسن اختيار العناوين المناسبة ذات شاعرية تعزف على أوتار حساسة في دواخل الإنسان العربي المهزوم، الحزين، المحروم..؛ سابعتها، والتي يجب علينا أن لا نتناساها أو نتجاهلها، هي جسر التواصل بين التركي والعربي، الذي وفرته احترافية الدبلجة الشامية في معايشة الصوت الشامي للانتماء الاجتماعي، والحالة النفسية والحركية للممثل التركي الأصل..
دراما جديدة إلى حين !
دراما جديدة على المشاهد العربي، وتجربة فنية متميزة  بمقومات عناصر الدراما التي سبق ذكر بعضها، فشيء طبيعي أن تحظى بشدة الإقبال الجماهيري على امتداد الوطن العربي من تركيا إلى المغرب، وشيء طبيعي أن يلهب هذا الإقبال الجماهيري تهافت القنوات العربية الأرضية والفضائية عليها؛ وللتذكير، كمشاهد، فالقناة الثانية كانت السباقة إلى بث المسلسل التركي قبل حتى الفضائيات، من خلال مسلسل "إكليل الورد" في نهاية 2007، ويعتبر هذا العمل أول مسلسل تركي تمت دبلجته إلى العربية، بالضبط العامية الشامية، تلاه ثاني عمل مدبلج "سنوات الضياع"، بث أيضا على القناة الثانية، ثم أتت الأعمال الأخرى التي حركت شيئا في نفسية المشاهد العربي..
وبث، لأول مرة، مسلسلا تركيا مدبلجا إلى العربية، لا أعتقد أنه أتى بمحض الصدفة، ولكن لاعتبارات أساسية في تقييم المضمون والشكل الفني، فبالإضافة إلى الحمولة الثقافية، الفكرية، التاريخية، هناك معايير الجودة الفنية والتقنية التي تعتمدها القنوات المتقدمة في اختيار البرامج، وتقييم جودتها، واقتنائها، ثم برمجتها.. فتقديم دراما مدبلجة جديدة، لأول مرة، مغامرة صعبة للغاية، حيث يبقى الهاجس المتعب في مدى تفاعل المشاهد مع هذه الدراما أو تلك، وبالأحرى إن كان مصدرها دولة إسلامية علمانية.. فبالإضافة إلى الرقابة الذاتية، يوضع المشاهد، دائما أمام الأعين، فهو البوصلة التي تقود في البحث الدقيق عن الإنتاجات الجديدة، ووضع الاختيارات البرامجية، فالمشاهد سيد الاختيار.. فغاية أية قناة تلفزيونية، أولا وأخيرا، تلبية رغبات وأهواء مختلف المشاهدين، والدراما التركية تتمتع بمصداقية الدراما الناجحة، المحترمة لنفسها، على جميع المستويات الفنية، والإقبال الجماهيري على مشاهدتها، على الأرضيات والفضائيات، يؤكد ذلك.. دراما تعتمد العواطف، الانفعال، التشويق، الإقناع، وإثارة الترقب لما سيحدث..
وانتشار الدراما التركية وإقبال المشاهد العربي عليها بهذا الشكل الواسع، أراه حالة صحية، تثير تساؤلات حول حدود العمل الدرامي، والفني بصفة عامة، وشروط نجاحه، وتُعيش المشاهد –المغربي/العربي- هاجس المقارنة بين الذات والآخر التركي،   والبحث عن شروط التطوير وفرض الهوية الدرامية.. وعلينا أن لا ننسى أنه لا شيء يستمر في بيان  تصاعدي أو خط مستقيم، إنها مرحلة انبهار، واكتشاف، ومقارنة، قد تطول، وقد تقصر إلى حين بروز طينة أخرى من الدراما، لما لا الأسيوية، الصينية، الكورية، اليابانية...، فلها ما تقوله في هذا المجال، وبامتياز كبير على مستوى الخيال و الإبداع والتقنية الفنية، وربما الأفريقية بقضاياها وخصوصياتها المحلية... فالجمهور العربي، والمغربي على الخصوص، جمهور مزعج، وذو مزاجية قاسية، يتشبث بالأجود، ويصر دائما على الجديد، والتنوع، والمصداقية الفنية.. لنبعد سوء النية، أو الحقد المجاني، ونعود إلى التاريخ ليفصل في أمر التجربة الدرامية التلفزيونية التركية..
التاريخ والإرادة التركية!
شئنا أم أبينا، تركيا دولة عصرية، تفوح بعبق التاريخ الإسلامي الممزوج بالحضارة الحديثة، دولة تعتز بإرثها الحضاري والتاريخي والإسلامي، ولا يمكن لأي إنسان، مهما كانت قناعته الفكرية، أو الدينية، أو السياسية، إلا أن يقف احتراما وإجلالا لهذا البلد الأصيل المعاصر..  
وللإخبار فقط، نقلا عن مصادر صحفية ودراسات وأبحاث ميدانية، فالدولة التركية لا تملك جريدة رسمية ناطقة باسمها، كما هو معروف في جل البلدان العالمية، فالصحف كلها خاصة، و يفوق عددها 50 جريدة يومية، وأكثر من 20 جريدة أسبوعية، وأكثر  من 2380 جريدة محلية وجهوية، أما المجلات فيتجاوز عددها  2520 مجلة، تغطي مختلف المجالات السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، الرياضية ، وغيرها... في حين تملك الدولة تلفزيونا حكوميا واحدا هو "تي ار تي"؛ ومع العلم أن التلفزيون لم يقتحم الحياة التركية بفعل مستمر إلا في أواسط السبعينات، حينها، ككل البدايات التلفزيونية في العالم المتقدم، السباق تاريخيا إلى التلفزيون، أُعطي الامتياز لدوره الإخباري والتربوي..
وتطوير الدراما التركية،  بالشكل الذي اكتشفته الجماهير العربية،لم ينزل مهيأ بأمر سماوي، وإنما انبثق من الأرض التركية، في بحر الثمانينات من القرن الماضي، من إرادة السياسة الوطنية، إرادة الإنسان، محور الحياة، مع سياسة الانفتاح الاقتصادي والسوق الحرة التي انتهجتها حكومة "اوزال" في 1983، وسط مناخ إقليمي ودولي متوتر وصعب، حيث شهدت تركيا في عهد  "تورغوت اوزال" (1927/1993) إصلاحات جذرية، حررت القطاع الاقتصادي، وخصخصت معظم مشاريع الدولة، بما فيه قطاع الإعلام المكتوب، المسموع والمرئي، وانفتحت على العالم الخارجي الإقليمي والعربي والدولي،.. ففي أواخر الثمانينات من القرن الماضي أُنشأت أول قناة تجارية، مما أجبر السلطة السياسية والقانونية على التسريع بتعديل القوانين لتتماشى والإصلاحات الجديدة، وفي حدود سنوات قليلة ظهرت إلى الوجود العديد من القنوات التلفزيونية.. حددت الدولة الخطوط العامة، وتركت التفاصيل للمنافسة في حدود إستراتيجية تحرير القطاع والنهوض به، وتعزيز الاحترافية،  والالتزام بالمعايير المهنية، وتشجيع التنوع بما يخدم الأداء التلفزيوني على العموم، فنشطت حركة الإنتاج الدرامي، مستعينة بتراكم التجربة السينمائية التركية، فأتمرت المنتوج الوطني بالشكل الاحترافي  الذي انبهرت به الجماهير العربية.. وفي الوقت الحاضر،  يصل عدد القنوات التلفزيونية إلى 15 قناة عمومية، وتقريبا 300 قناة محلية وجهوية عامة، بالإضافة إلى القنوات التي تلتقط عبر "الكابل" و القنوات المشفرة المؤدى عنها...والمحطات التلفزيونية المهمة تملكها، إلى جانب  وسائل إعلام أخرى كالصحافة، الراديو..، مجموعات صناعية كبيرة ومؤثرة في الاقتصاد الوطني؛ و يهيمن على القنوات الخاصة برامج التسلية والترفيه، وبرامج المسابقات، و الموسيقى، والرقص، وبرامج الخيال الدرامي التركي..
ويختلف الشعب التركي عن الشعوب المجاورة والقارة العجوز بحس الإنصات وولع المتابعة للبرامج التلفزيونية، ومحب وعاشق للمسلسلات الوطنية، لما تعكسه من هموم واقع المواطن التركي، وتطلعاته، وقيم الثقافة السائدة في المجتمع التركي، وتساهم في بلورة قيم إنسانية إيجابية في حياة تركيا المعاصرة.. إنها بمثابة برامج التوحد التلفزيوني التركي، حيث تبرمج أسبوعيا على تسع قنوات وطنية، في فترة الذروة، مباشرة بعد الأخبار الرئيسية، ما بين 20 و23، وتتراوح المدة الزمنية لكل حلقة ما بين 70 و90 دقيقة، تشمل تقاطيع الوصلات الإشهارية، بالإضافة إلى إعادة بثها في النهار والأوقات المتأخرة من الليل..  ولع الشعب التركي بالمسلسلات الوطنية منح دينامكية قوية لحركة الإنتاج الوطني، وتضاعف إنتاج المسلسلات الوطنية إلى ثلاث أضعاف في سنوات معدودة ،10 سنوات فقط، وتحتل دائما مقدمة في نسب المشاهدة، تتجاوز نسب مشاهدة بعض مقابلات كرة القدم..  
لكن لماذا التهافت التلفزيوني الجارف...!
نجاح التجربة التركية حصيلة للإرادة السياسية والقانونية لحكومة "أوزال" التي وفرت التسهيلات اللازمة للإصلاح وتحقيق  الانفتاح والتطوير، إرادة تحمل إصرار وطموح الشعب التركي، ومتنفس  للانفتاح على العالم الخارجي العربي، والأوروبي، والعالمي.. السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا تتهافت القنوات العربية على الدراما التركية؟ تهافت تذكي حرارته مجموعة فضائية مستقلة؛ هل دافعه تجاري؟ أكيد.. أم القناعة بجودة المنتوج التركي؟ لا شك في ذلك.. أم لأسباب إيديولوجية، باعتبار أن تركيا دولة علمانية، نجحت في فصل الدين عن الدولة، ولهذا لابد أن يكون لها تأثير ودور فعال في بسط الفكر العلماني في أرجاء معمور البلاد العربية والإسلامية ؟ ممكن، ولا يمكن إبعاده عن الحسبان..
محمد رياضي
إعلامي
الدار البيضاء، أكتوبر 2009






Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

حيرة وجود..

  حيرة وجود .. سمة حورية أسطورية، وعناد نخوة جاهلية، وكبرياء أنثى إنسان، بملامح طفلة غامضة دائمة الحزن والابتسامة، صادفها في حيرة وجود، تا...