jeudi 9 janvier 2014

Human dignity إنسانية الإنسان، التبخيس والمعاناة، مسؤولية المواطن والسلطة! 1/2

العربي أنا وحكايات الإنسان الآخر!
متى نجعل من إنسانيتنا قضية؟
الحكاية الرابعة:1/2
إنسانية الإنسان
التبخيس والمعاناة، مسؤولية المواطن والسلطة!

إهداء:              إلى كل من يمارس رفض التبخيس لكرامته، فلا يعيش فقط، وإنما يعاني ليسمو إلى إنسانيته.
 إلى روح والدي، رحمة الله عليه، كان متحزبا بالوطن إلى النخاع، ووفيا لإنسانيته إلى الموت، كان يفضل مراضاة نفسه على أن يراضي غيره على حساب كرامته، كان يحيا مصيره بقناعة ومبدأ "كرامة الوطن من كرامة المواطن"، ونصيحته الدائمة لي: "يا بني، لا تراهن على كرامتك، مهما كانت صعوبة الظرفية، وقسوة القدر، إنها من الأشياء التي لا تشترى، إن فقدتها تخسر نفسك، وتعيش حياة الذل، ولن تساوي حبة بصل، لا في حياتك، ولا بعد موتك."..


                                 إنسانية الإنسان
التبخيس والمعاناة، مسؤولية المواطن والسلطة!

من  البديهي  أن  نؤمن بالإنسانية كفلسفة حياة منظمة للوجود الإنساني، لكن من الصعب أن نثق في الإنسان، محور الإنسانية، لأن الكائن البشري تَحكمه تأثيرات النفس السيئة، تُبعثر المفاهيم على هواه، مما يُضعف وجود إنسانية مثالية مطلقة. ولا يختلف اثنان على أن المخلوق الآدمي لم يختر الولادة ولا الموت، لكن الالتزام الأخلاقي  بقيم الحياة الإنسانية يجعله مسؤولا عن اختياراته ومواقفه الحياتية، قيم تضبط العواطف والعقول، الأفعال وردود الأفعال، وتميز الإنسان عن بقية المخلوقات الأخرى، إن فقدها تسقط عنه إنسانيته، والكرامة أسمى القيم، في السماء والأرض،  مهما اختلفت  أشكال الوعي الإنساني.

الكرامة والوعي قناعة وإيمان:
    يحفل التاريخ الإنساني بحروب عديدة، بررتها الكرامة بمعاني ودلالات مختلفة باختلاف المزاجية والغايات، فهناك من يقيمها بالمال، وفئة تجدها في سلطة الاستغلال والاستبداد، وأخرى تعيشها في الإجرام والعدوانية، والغالبية تستطيبها في الخضوع والاستسلام، وسلالة إبليس تتنفسها في التجارة بالدين، لأنها "التجارة الرائجة في المجتمعات التي ينتشر فيها الجهل." )ابن رشد(؛ و في حقيقة الأمر، الكرامة، التي تجنب الشخص الرذائل الخلقية وحياة الذل، لا علاقة لها بالمستوى الاجتماعي، ولا الدراسي، ولا الثقافي، ولا بإيديولوجية محددة أو قناعة دينية معينة، كما لا تتوقف في تحرير الأرض، وتوفير الحاجيات الطبيعية والضرورية، الاجتماعية والفكرية والروحية، لأنها حقوق طبيعية، وعزة النفس تبارك انتزاعها بالقوة، وإن كان الثمن الموت. لهذا فالكرامة لها مفهوم واحد، كما شرفتها الديانات، ونظرتها الفلسفات، وعززتها المواثيق الدولية، مما جعلها واجبا أخلاقيا، والتزاما مبدئيا للإنسان تجاه نفسه ومحيطه، في تعامله مع الآخرين؛ وجود قائم على الاحترام، إن فقده تلغى كرامته، وبالتالي إنسانيته، وتعيش روحه المهانة، والحقارة، والنذالة، والدناءة، وترتضي قذارة العيش، ويتملكها الحقد الاجتماعي، والنفاق الديني، والخيانة الوطنية، وإن كان صاحبها يؤدي وظيفة إمام مسجد، أو رئيس حكومة، أو قائد دولة، مما يؤدي إلى اندثار القيم، وانهيار ثوابت الانتماء، وينفجر الانحلال وفوضى الوقاحة في أوساط المجتمع، أبطالها الأخسة الجبناء، الذين"يموتون مرات عديدة قبل موتهم.." )نيلسون مانديلا(، أما الكرامة فتسمو بالإنسان إلى إنسانيته حتى في حالات النفوس المعقدة في عالم الإجرام.

المجرم والإهانة:
    ففي عالم الإجرام، في الغرب، تنعدم الرحمة في قلوب المجرمين المحترفين، لهم ميول عدواني قاسي شرس، لا يعرفون غير القتل والإقصاء والعربدة، ومن أجل المال والنساء والمغامرة، يرتكبون الخطيئة بعدوانية وجنون، ورغم قسوتهم، وطبعهم الإجرامي لا يتحملون المهانة، لأن فيها إدانة للذات وكرامة الشخصية العدوانية. فعندما تُمس كرامة أحدهم، يتولد لديه الشعور بالإساءة والتبخيس لنفسه، مما يؤدي إلى تبرير العنف اللامحدود لرد الاعتبار لشخصيته العدوانية؛ فالمجرم المحترف، رغم سلوكه الجانح، يتمسك بعزة شخصيته العدوانية، كرامة بقناعة سيكولوجية إنسانية جد معقدة. وهنا أستحضر فيلم "المحترفون"، من روائع  كلاسيكيات سينما رعاة البقر، أو ما يعرف بالوسترن، إنتاج 1966، بطولة لي مارفن، بيرت لانكستر، روبرت ريان، جاك بالانس، وودي سترود ،كلوديا كاردينال، ورالف بيلامي،  وتوقيع السيناريست والمخرج ريتشارد بروكس، يتميز العمل بقوة السيناريو، وحوار درامي متماسك، وبراعة البناء الدرامي للشخصيات، واحترافية جمالية التصوير، وحسن اختيار أجود الممثلين، والإخراج المتمكن، والأهم البعد الإنساني لنهاية الفيلم.  

"المحترفون" والكرامة: 

      تدور أحداث الفيلم في 1917، إبان الثورة المكسيكية، حول أربعة مرتزقة محترفين استأجرهم "جران"، رجل أعمال أمريكي، صاحب أراضي كثيرة، لاسترجاع زوجته "ماريا"، التي اختطفها مجموعة ثوار مكسيكيين تحت قيادة "رازا"؛ ومن أجل المال والنساء والمغامرة، المرتزقة مستعدون لمطاردة الشيطان في عمق الجحيم لتنفيذ المهمة المؤدى عنها. واستحضار هذه التحفة السينمائية ليس لإعادة قراءتها، وإبراز روعتها الفنية، أو لإعطاء قراءة لأبعادها الإيديولوجية في تلك المرحلة من تاريخ أمريكا، وإنما فقط لنتأمل نهاية الفيلم، ونأخذ العبرة، فالمجرمون الأشرار لا يهابون الموت، و"المحترفون" رغم الحراسة المشددة، نجحوا فعلا في اقتحام عقر "رازا"، في عمق الأراضي المكسيكية، وتمكنوا من الوصول إلى الزوجة المخطوفة، لكن "ماريا" تمنعت، ورفضت العودة معهم، وصدمتهم بحقيقة موجعة في الأعماق، فوجدوا أنفسهم في وضعية مأزقية حرجة، ف"ماريا" المكسيكية لم تختطف، وإنما هربت بملء إرادتها وراحتها النفسية لتلحق بحبيبها المكسيكي "رازا"، والمتعلقة به حتى الموت؛ حبيب الذكريات والأمل، الإحساس والمتعة، الصدق والوفاء، التضحية والوطن، وزوجها الأمريكي على علم بذلك،  فخلقت "ماريا" صراعا عنيفا في عمق أحد المرتزقة، وتسربت عدوى القلق النفسي إلى الثلاثة الآخرين، فأدرك الأربعة أن الزوج الإقطاعي استغفلهم، واستخف بهم،  واستدر قبولهم بفكرة الاختطاف، مستغلا غباوتهم وحاجتهم ليستعيد "ماريا" الهاربة من سجن العبودية، فعقد "المحترفون" العزم على إتمام المهمة، حسب الاتفاق، واقتادوا "ماريا" بالقوة إلى الزوج الطاغية الكذاب، وكان بإمكانهم التخلص من الحبيب الثوري "رازا"، الذي خاطر بحياته ليردعهم عن أخذ قلبه النابض "ماريا". وبملامح تنم عن الاستعلاء، استشاط "جران" فرحا وابتهاجا عند رؤية "ماريا" الهاربة مقتادة إليه رغم أنفها، لكن للمرتزقة موقف مفاجئ، فاحتراما لصدق المشاعر بين "ماريا" و"رازا"، اللذان غامرا بحياتهما وفاء للإحساس الصادق، وإخلاصا للانتماء والهوية، وإيمانا بالثورة الوطنية من أجل حياة أفضل، ومن جهة أخرى، عقابا للزوج المتسلط المتعالي، وأمام عينيه وأنظار أتباعه، سمح المحترفون للحبيبين بالعودة إلى الديار، وكان الخلاص، فعلاقتهما حب أسطوري مقدس، طاقة عاطفية إنسانية متكاملة، روحيا وفكريا وجسديا ووطنيا، إحساس صادق مرهف وعنيف بين الرجولة والأنوثة، الإحساس والمتعة، الحياة والوطن. موقف المرتزقة فجر الصدمة في عمق"جران"، وكشف عن خصلة في العمق البشري، تعلو بالشخص إلى مرتبة إنسان، وتميزه عن الكائن البهيمي، ففي عمق الإجرام والانفعال العنيف تكمن أيضا عزة الذات وكرامة الإنسان.. 


الكرامة وأعراف السجون:
     ومن أعراف سجون الإجرام في الغرب، فقط عند المحترفين أيضا، عندما يُزج بمجرم جديد داخل عنبر قساة القلوب، يُسأل عن جريمته، فيحضنون المجرم الداهية الذي سرق مصرفا، أو قتل أحدا من  المغضوب عليهم في مجموعة معادية من مجموعات اللوبي أو المافيا، أو فجر قاعدة من قواعد الخصوم السياسيين، أو الماليين، أو الدينيين، أما عندما تكون الجريمة هتك عرض طفل أو طفلة، أو اعتداء على امرأة، أو رجل مسن أو بسيط، فإنهم يحتقرونه، ويمتعضون من تواجده معهم، ويرفضونه، ويمكن أن يصل الأمر إلى حد التصفية الجسدية، إن لم يتم إبعاده عن العنبر في أسرع وقت ممكن، لأنهم يرون في تواجده بينهم تشويها لسمعتهم العدوانية، ومسا بشرفهم الإجرامي، ومن تم يمكننا القول بأن للمجرم أيضا كرامة وعزة نفس على قدر خطورة الجريمة. فماذا عن الكرامة العربية؟

الكرامة العربية وعوامة نجيب محفوظ: 

يتبع...

                                    محمد رياضي
                                                                    البيضاء، يناير  2014

2 commentaires:

  1. نِـعْـمَ الوفاء، وبِئس النسيان......
    طوبى لوالدك الذي آثر أن ينحاز إلى صف العدالة والكرامة والمساواة...
    وبورك فيك كابن استحضر ذكرى أبيه بمقال شيق ورائع....
    تحياتي أيها العزيز
    مع تحياتي ، أخوك عبد اللطيف درويش...

    RépondreSupprimer
  2. محمد نبيل13 janvier 2014 à 01:55

    كلام في الموت و الكرامة و السينما . الانسان عنيف بحكم الطبيعة كما يقول هوبس فهو ذئب لاخيه الانسان . ابن رشد هجروه و احرقوا كتبه من هم من بني جلدته . صوت الحق ينبعث من خطوطك اخي سيمحمد و روح الحكمة تشرق من بين كلمات نصك . انتظر المزيد. مودتي من بلاد ماركس رحمه الله .

    RépondreSupprimer

حيرة وجود..

  حيرة وجود .. سمة حورية أسطورية، وعناد نخوة جاهلية، وكبرياء أنثى إنسان، بملامح طفلة غامضة دائمة الحزن والابتسامة، صادفها في حيرة وجود، تا...