lundi 6 juin 2011

!دائرة المراهنة

!دائرة المراهنة
  العظمة الفارغة: هدر فادح للإنسان، للمؤسسات، وللوطن؛ لكن إلى متى؟

          لا أقصد عظمة العباقرة التي تصل إلى حد الجنون، العلمي أو الإبداعي، ولا أبحث عن العلاقة بين العبقرية والجنون، بين التوتر النفسي والإبداع، لأن ذلك يتطلب قراءات لحياة العباقرة، كجالليو، ألبرت اينشتين،  ارنست هامنغوى، نيتشه، فان جوخ، وغي دو موباسان، فيرجينيا وولف، شومان..  وغيرهم من المفكرين والمبدعين والعلماء الذين أثروا في الحياة الآدمية عبر تطورها الإنساني. أشخاص يتميزون بتركيبة نفسية غير طبيعية، جعلت كل منهم يعيش خارج الزمن والوجود البسيط، فالعملية التحليلية لتركيبتهم النفسية من اختصاص الباحثين المتخصصين في علم النفس والاجتماع والتاريخ، والفنون الإنسانية، وتستلزم عقودا من البحوث والدراسات، فلنحدد أن موضوع المقالة حول العظمة المريضة، الانتهازية التي تتسلل إلى  مؤسسة من المؤسسات في مختلف القطاعات، أعقدها وأخطرها قطاع الإعلام، سيد السلط. فالعظمة الفارغة، سيكولوجية معقدة لا يمكنها المساهمة في تطوير العمل المؤسساتي، وإنما، لأنها تافهة، عن وعي، تجهد في توسيع هوة الفشل والفوضى، وتدمير الوطن.
 فاقد الشيء لا يعطيه
        ما يؤرق الكفاءات والطاقات المهمشة، في مختلف المؤسسات الإدارية والخدماتية والإنتاجية، نتيجة رفضهم منصب الولاء الانتهازي والتبعية العمياء بدل الأداء والإنتاجية، هي تلك  المخلوقات الآدمية التافهة- لأنه ما أشق للإنسان أن يكون إنسانا - التي تعاني من تخلف فكري نتيجة اضطراب نفسي وحقد اجتماعي، فما أن تُحشر، بطريقة أو أخرى داخل مؤسسة ما،  تجهد، بثعلبة ذليلة مفضوحة، على تحقيق ذات أخرى بمواصفات جديدة، تسابق الزمن، تتسلق الهوامش، تلهث وراء الامتياز  المنصبي، المسؤولية الإدارية، لتستنسخ الذات الاستعراضية. لا تخجل من شيء، لا يهم "كيف؟"، لأن تلك المخلوقات التافهة تنتهج مبدأ "الغاية تبرر الوسيلة". لما لا؟ ففاقد الشيء لا يعطيه. فئة رغم حركات التعالي الاستعراضي تعيش ألا شيئية، فلا يزعجها التحقير الذي تنتعش به، لأنها تحللت من كل حياء إنساني، وأنشأت لها سفسطة تبريرية مخادعة،  فتراها تتزين بقبعات وفق الغايات المنشودة، فلا شيئية هذه النوعية من المخلوقات تمنحها قابلية التكيف، والسماح بأن يمارس عليها  أي شيء، وعند حشوه  ضمن حاشية الإدارة، تنفخ العظمة الفارغة بطنها، وتضع قبعة الإدارة الآنية، وتلوح بذيلها القصير كالكلب اللاهث، طمعا في المزيد من رضا صاحب الفضل عليها، فتراوغه بالتظاهر المعرفي، والادعاء الثقافي، وافتعال قضايا مع طرح حلول لها،"وبدلا ، على حد قول الدكتور مصطفى حجازي، من أن يوظف الشخص إمكانياته وطاقاته لخدمة الموقع الوظيفي الذي يشغله، وإذا به يتخذ من السلطة المخولة له وسيلة لتعزيز نفوذه الذاتي، ونفوذ العصبية التي ينتمي إليها، والتي كان لها الفضل أساسا بوضعه في هذا المنصب..*، فتسر نفسية الانتهازي، وينتعش غباؤه، فيعمل على تضخيم مقامه، وتعزيز مكانته باستقطاب موالين جدد، ورعاية من هم أشد ضعفا ولاشيئية منه، للانخراط في مقالب وتأويلات اضطراباته العصبية وعقده النفسية، فيتصرف كأنه الآمر الناهي، وبخبث إبليسي يخمن إستراتيجيات لتهميش الطاقات والكفاءات القادرة على تفعيل تنمية المؤسسة، وفي الحقيقة يسحق بذلك نفسه اللاشيئية التي تعاني من نقص دائم، وتهاب أن تدوسها آليات المشروع الإصلاحي التنموي الحداثي بقيادة جلالة الملك .
الانتهازية المدمرة
فالمخلوقات الانتهازية، هاته، لها فكر نقيض للتغيير والتنمية البشرية والمؤسساتية المنتعشة، ما يشغلها، وبعصبية خفية، هو نيل الرضا والامتياز ألمنصبي، وهمها إعادة إنتاج نفسها المريضة في أشخاص من طينتها، موالين وتابعين لها، ليدعموها، ويصفقون لها، ويطلقون بين الجموع صفيرا  لإثارة الاعتزاز الوهمي لصاحب الفضل على راعيها، "وهكذا يتصرف صاحب النفوذ بالمنصب وكأنه ملكية خاصة. ويتحول هم صاحب المنصب إلى مراقبة الولاء وتقويمه بدلا من متابعة الأداء وتقويمه.. يتم التساهل في التقصير بالأداء والانجاز ما دام الولاء قويا ومضمونا، والتبعية قائمة، وسلوكات التبجيل ناشطة. وأي تقصير في الولاء يكون حسابه عسيرا.. ". مع الأيام والأشهر تتسع دائرة أتباعه، ضعاف النفوس والفكر، فيصدق أهميته، ويؤمن بها أتباعه المحظوظين، فيتملكهم، هم الآخرون، إحساس التفضيل، ويصدقون أهميتهم داخل المؤسسة، وتركبهم حماقة الغرور، فتجد مثلا سائق سيارة خدمات المؤسسة، يغتر ويعتقد نفسه "توم كروز" في دور سائق سيارة خيالية، وعظيم بليد يجعل من نفسه، بكل جرأة وقحة، مرجعية التواصل، والناطق الخفي للإدارة، وعظيم منعدم يدعي علاقات قيصرية نافدة ، وقزم تافه ينتعش على حساب كرامته، وغيرها من حالات العظمة الفارغة. ويسعى المنعم بالرضا ألمنصبي جاهدا لإقصاء من يسبب له حضوره الأرق والاضطراب العصبي والقلق النفسي، لأنهم يشعرونه  بحقيقة العقم المعرفي والثقافي والمهني الذي يعاني منه، فيعمل على تلغيم المؤسسة بالانتهازية المدمرة لكل أشكال التنمية،"وبدلا ـ د مصطفى حجازي ـ من أن تقوم المؤسسة على الكفاءة والانجاز والتميز في الأداء وعلاقات السلطة الوظيفية لخدمة الإدارة والإنتاج، وبدلا من أن تقوم على حكم الكفاءة التي تبني وتصنع، وتسند إلى المعرفة والاقتدار، تتحول المؤسسات إلى مراكز للولاء. وهو ولاء يقابله الحصول على النصيب.."، في المقابل تعيش الكفاءات حالات الاستثناء والتهميش المقلق، مع العلم أنها محور أساسي للتنمية المؤسساتية، وتطويرها، فيزداد الإحباط استفحالا بين الكفاءات المهمشة، ويشتد حقد الأتباع، مما يخلق التوترات المهنية، ويعكس لا محالة على مردودية المؤسسة مما يؤدي إلى الهاوية.. "وعند هذا الحد تتلاشى قوة المؤسسة وتعمل عند الحد الأدنى من الإنتاجية الضروري للتغطية العامة.. وعند وقوع المؤسسة في الكارثة، لا تتحرج الانتهازية من وضع قبعة المثقف المناضل المؤسساتي، وتسابق الزمن، وتسرع إلى تطبيق المثل القائل " الهجوم خير وسيلة للدفاع"، فيتقدم صاحب الامتياز ألمنصبي  المتظاهرين، وفي جلسات النهيق العبثي التلفزيوني، يشخص دور المناضل الغيور على مؤسسته، فيضخم الأمور، ويقوم بحيل الإسقاط النفسي، ويفرغ  عيوبه، ويرمي بأسباب الخلل على غيره الحاضر في شخصيته الخبيثة  الخفية؛ يظهر أشد حماسا، وولولة، وأكثرهم مناداة بالتصحيح وإعادة الهيكلة، ومحاربة الفساد، ومحاكمة المسؤولين، وغيرها من هستيرية الحماس الفارغ.
لكن إلى متى؟
      بالطبع، لهاث الانتهازية يولد وعي الاستلاب السلبي، وتنتعش العظمة الفارغة، خفافيش الفكر الفاسد المضاد للديمقراطية الحداثية الناضجة التي انخرطت فيها المملكة، لكن إلى متى؟ فزئير عاصفة الإصلاح والتقدم لن يهدأ  إلا بولاء روح الوطنية الصادقة، من أجل مغرب ديمقراطي حداثي متفتح وقوي. كفى من الاستهتار! كفى من الانتهازية! كفى من الإقصاء ففاقد الشيء لا يعطيه!
محمد رياضـي 
إعلامي 
البيضاء، ماي 2011
 
تم الاستعانة بمؤلف الدكتور مصطفى حجازي "سيكولوجية الإنسان المهدور" ،  الطبعة الأولى.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

حيرة وجود..

  حيرة وجود .. سمة حورية أسطورية، وعناد نخوة جاهلية، وكبرياء أنثى إنسان، بملامح طفلة غامضة دائمة الحزن والابتسامة، صادفها في حيرة وجود، تا...